اسم الکتاب : ملتقى أهل اللغة المؤلف : مجموعة من المؤلفين الجزء : 1 صفحة : 70
دور الأهمية المعنوية في التبادل الرأسي
ـ[عزام محمد ذيب الشريدة]ــــــــ[03 - 05 - 2014, 02:10 م]ـ دور الأهمية المعنوية في التبادل الرأسي
يتحدث الإنسان تحت رعاية الضابط المعنوي غالبا واللفظي نادرا مع علامات أمن اللبس كما في الأمثلة والنماذج التالية:
أولا:
المرفوعات من الإفراد إلى الجملة
يرى بعض النحاة أن المبتدأ والفاعل ونائب الفاعل لا تأتي إلا أسماء، وهي من القضايا المختلف عليها بينهم، ويبدو لي أن مجيء الفاعل جملة، أو على صورة الجملة، هو شيء يتطلبه المعنى، والأهمية المعنوية عند المتكلم، كما في الأمثلة التالية:
1 - جاء في القراّن الكريم قوله تعالى"أفلم يهد لهم كم أهلكنا" (طه 128)، وفي هذه الآية حلت "كم أهلكنا" محل الاسم "إهلاكنا"لغرض التكثير، فالمعنى مع الاسم غيره مع الجملة.
2 - كما قال تعالى"ومن اّياته يريكم البرق خوفا وطمعا" (الروم24) فالفعل يريكم يعبر عن التجدد والاستمرارأكثر من رؤيتكم أو إراءتكم.
3 - وقال تعالى"سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم "فقد جاء المبتدأعلى صورة الجملة للدلالة على أن هؤلاء القوم متشددون في مواقفهم وثابتون عليها ولوتم الإنذار مرة بعد مرة.
4 - وقال تعالى"سواء عليكم أدعوتموهم أم أنتم صامتون (الأعراف193) "فجاءت الجملة من المبتدأ والخبر موضع الفعل والفاعل لأن الأصل في المعادلة أن تكون الثانية كالأولى نحو"أدعوتموهم أم صمتم"،وقد جاءت الجملة الاسمية بدلا من الفعلية لأنها تدل على السكون والثبات وعدم الحركة، بينما جاءت سابقتها جملة فعلية لأن فيها الحركة والعمل.
4 - وتقول العرب: قد عُلِم أزيد في الدار أم عمرو، وتقول:"قد قيل: زيد منطلق، وهو موجود في كلام العرب كثيرا وفي القراّن.
وأخيرا، وإن كان الغالب مجيء المبتدأ والفاعل ونائب الفاعل اسما، إلا أن هذا لا يمنع من مجيئها جملة إذا كان المعنى يتطلب ذلك، لأن الإنسان يتكلم بحسب الحاجة المعنوية على المحورين: الرأسي والأفقي، فالإنسان يتثقف لغويا ويتحدَّث بمستويات متعددة، فيقول وهو يفكر ويفكر وهو يقول تحت رعاية الاحتياج المعنوي وعلامات أمن اللبس، ليكون بعيدا عن اللبس والتناقض.
ثانيا:
العدول عن الفعل إلى المصدر
قد يحلّ المصدر محل الفعل في الجملة، كتعبير القرآن الكريم عن المعاني الإنشائية بالمصادر المنصوبة، حيث يحصل التغيير على المحور الرأسي للغة، وذلك تبعا للأهمية المعنوية عند المتكلم، كقوله تعالى" فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب " وقوله تعالى"سبحان الذي أسرى بعبده ليلا " وقوله"وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما" ....... إلخ. ولنا أن نتساءل عن سر العدول عن الفعل إلى المصدر، وما الفائدة المعنوية من ذلك؟ إذا حاولنا ترتيب الكلام من حيث القوة المعنوية نجد أن الجملة الاسمية هي الأقوى، لأنها تدل على الثبات والديمومة والاستمرارية، حيث لا وجود للزمن فيها لفظا أو تقديرا، يليها المصدر المنصوب الذي يدل على الحدث الخالص فقط لعدم ارتباطه بزمن معين، يليه الجملة الفعلية، لارتباطها بزمن معين، فالحمد لله أقوى من حمدا لله، وهذه أقوى من أحمد الله، ومن هنا كان اختيار المصدر بدلا من الفعل في الآيات السابقة للدلالة على التكثير والشدة، ففي الآية الأولى يدل اختيار المصدر على الحث على الضرب الشديد غير المرتبط بزمن، وفي الثانية يدل على كثرة التسبيح والتعجب غير المرتبط بزمن، وفي الثالثة يدل على كثرة التسليم غير المرتبط بزمن إهمالا للجاهلين، فالكلام يكون بحسب الحاجة المعنوية عند المتكلم.
ثالثا:
التبادل بين الخبر والإنشاء
يتبادل الخبر والإنشاء في الموقع، كما في قوله تعالى"وإذ أخذنا ميثاقكم لا تسفكون دماءكم"ولم يقل: لا تسفكوا دماءكم، قصدا للمبالغة في النهي، حتى كأنهم نهوا فامتثلوا ثم أخبر عن الامتثال.
وقال تعالى"قل أمر ربي بالقسط وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد"،ولم يقل: وإقامة وجوهكم، إشعارا بالعناية بأمر الصلاة لجلال قدرها، فجاء بفعل الأمر. وقريب منه قوله تعالى عن الطير:"صافات ويقبضن" فجاء بالاسم عند ثبات الأجنحة وبالفعل عند تحركها، لأن الاسم فيه ثبات وسكون ‘أما الفعل ففيه حركة وتجدد.
¥
اسم الکتاب : ملتقى أهل اللغة المؤلف : مجموعة من المؤلفين الجزء : 1 صفحة : 70