اسم الکتاب : ملتقى أهل اللغة المؤلف : مجموعة من المؤلفين الجزء : 1 صفحة : 67
دور الأهمية المعنوية في الفصل النحوي في القرآن الكريم
ـ[عزام محمد ذيب الشريدة]ــــــــ[04 - 05 - 2014, 09:51 م]ـ دور الأهمية المعنوية في الفصل النحوي في القرآن الكريم
حين وضع النحاة للجملة النحوية نمطا جعلوا للمفردات في داخل الجملة درجات متفاوتة من الارتباط وجعلوا أقوى الروابط بين الكلمتين رابطة التلازم، ثم جعلوا لمفردات الجملة ميزة انتمائها إلى الجملة وجعلوا كل ما لا ينتمي إلى الجملة أجنبيا عنها وكرهوا الفصل بين المتلازمين، ومما يوصف بلفظ المتلازمين الأداة ومدخولها، والمضاف والمضاف إليه والمنعوت ونعته، أوقل إن شئت المتبوع وتابعه بصورة عامة وما أشبه ذلك (1) وهذا يدل على أن العلاقة بين المتلازمين تقوم على منزلة المعنى، ويدل كذلك على أن الكلام يترتب بحسب الأهمية المعنوية، إلا أن هذه الأنماط التركيبية التي وضعها النحاة ليست مقدسة كالقرآن الكريم، فقد يجتاحها الاحتياج المعنوي مرة أخرى، ويفكك أواصرها، ليصنع منها أنماطا جديدة، لتترتب الأنماط الجديدة بحسب الاحتياج المعنوي عند المتكلم كذلك مرة أخرى، فالكلام يترتب بحسب الأهمية المعنوية والاحتياج المعنوي في الأصل وفي العدول عن الأصل، كما في الأمثلة التالية:
1 - قال تعالى:"وكذلك زُيِّن لكثير من المشركين قتلُ أولادَهم شركائهم"حيث فصل بمفعول المصدر بين المضاف والمضاف إليه، وذلك بسبب الأهمية المعنوية بين المصدر والمفعول، والتي فاقت أهمية المضاف إليه للمضاف، فالمفعول والمضاف إليه كلاهما مبني على المضاف، ويستطيع المتكلم تقديم أيهما شاء، وبحسب الأهمية المعنوية والاحتياج المعنوي بين المبني عليه والمباني، وهذه القراءة شبيهة بقول الشاعر العربي:
فزججتها بمزجة //زجَّ القلوصَ أبي مزادة
والأصل: زجَّ أبي مزادة القلوصَ.
2 - قال تعالى:"يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانُها لم تكن آمنت من قبل"فصل بين الموصوف "نفسا" والصفة"لم تكن آمنت من قبل "بواسطة الفاعل "إيمانُها"بسبب الاحتياج المعنوي بين الفعل والفاعل، ولو تأخر هذا الفاعل بعد الصفة لضعفت العلاقة المعنوية بينه وبين الفعل.
3 - قال تعالى"يسبح لله ما في السموات وما في الأرض الملكِ القدوسِ العزيزِ الحكيم " فصل بالجار والمجرور بين الفعل والفاعل ليربط بين الفعل وشبه الجملة برابط الاحتياج المعنوي لإفادة التخصيص، ثم فصل بالفاعل بين المجرور وصفاته بسبب أهمية الفاعل للفعل، ولئلا يطول الفاصل بين ركني الجملة بما ليس من أركانها الرئيسية.
4 - قال تعالى"قل كفى بالله شهيدا بين وبينكم ومن عنده علم الكتاب" فصل بين المعطوف والمعطوف عليه بواسطة التمييز والظرفين بسبب الاحتياج المعنوي للشهادة وأهميتها للفعل، ولئلا يطول الفاصل بينهما بسبب العطف. وهذا يعني أن الكلام يترتب بحسب الأهمية المعنوية والاحتياج المعنوي عند المتكلم في الأصل وفي العدول عن الأصل، وباختصار، الكلام يكون تحت رعاية الاحتياج المعنوي وعلامات أمن اللبس.
5 - يقول ابن السراج وهو بصدد الحديث عن تقديم خبر كان عدولا عن الأصل"والتقديم والتأخير في الأخبار المجملة (الجملة) بمنزلتها في الأخبار المفردة ما لم تفرقها" (1) أي أنه يجوز تقديم خبر كان عليها وعلى اسمها إذا كان جملة بشرط أن لا نفصل بين أجزاء الخبر، فيجب تقديم الخبر كاملا كما هو، وبهيئته التي كان عليها، مثال ذلك: أبوه منطلق كان زيد، تريد، كان زيد أبوه منطلق، وقائمة جارية يحبها كان زيد، تريد، كان زيد قائمة جارية يحبها (2)
وهذا كلام سليم، فيجب المحافظة على قوة العلاقات المعنوية والاحتياج المعنوي بين الكلمات داخل التركيب، ويجب نقل الخبر من مكانه كتلة واحدة كالمقولة الكبرى ووضعه في المكان الذي نريده، وهذا يعني أن الكلام في الأصل يتجاور ويترتب بحسب الحاجة والأهمية المعنوية، والاحتياج المعنوي بين أجزاء التركيب واضح سواء أتقدم الكلام أم تأخر.
ولكن تم خرق معيار القاعدة النحوية، وتم تقديم خبر كان، ولكن مع خرق معيار القاعدة النحوية في قوله تعالى" وأنه كان يقول سفيهنا على الله شططا" (الجن 4) ففي الآية السابقة حدث أمران: أولهما: تم الفصل بين أجزاء الخبر الذي تقدم عدولا عن الأصل حيث تقدم جزء منه وهو (يقول) ثم جاء الاسم (سفيهنا) ثم بقية الخبر، وكان الأصل أن يتقدم الخبر برمته وهيئته التي كان عليها كما قال ابن السراج، كما في الجملة التالية: وأنه كان يقول على الله شططا سفيهنا"إلا أن مجيء هذا التركيب يجعل الفاصل طويلا بين كان وبين اسمها، وبما أن (كان) تحتاج إلى الاسم حاجة قوية جدا فيجب تقديم الاسم بحسب الاحتياج المعنوي حتى ولو فصل بين أجزاء الخبر، كما أن تأخير الاسم يجعل التركيب ملبسا قلقا، ومن هنا تم خرق معيار القاعدة النحوية من أجل أن يترتب الكلام بحسب الأهمية المعنوية والاحتياج المعنوي.
ثانيهما: دخول الفعل على الفعل، مع أن القاعدة النحوية تنص على أنه: لا يجوز دخول الفعل على الفعل، وقد تم دخول الفعل على الفعل في أية أخرى وهو قوله تعالى"من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم " ومهما يكن من أمر فقد تم تقديم الفعل الثاني نحو الفعل الأول بسبب قوة العلاقة المعنوية والاحتياج المعنوي بين الفعلين لإفادة قرب الزيغ.
=================================
(1) د. تمام حسان – البيان في روائع القرآن –ص 176
(2) ابن السراج- الأصول في النحو-ج 1 - ص 88
(3) السابق-نفس الصفحة
===================================
اسم الکتاب : ملتقى أهل اللغة المؤلف : مجموعة من المؤلفين الجزء : 1 صفحة : 67