اسم الکتاب : ملتقى أهل اللغة المؤلف : مجموعة من المؤلفين الجزء : 1 صفحة : 496
ثم بدأ بالمعرف بأل فقال: (ثُمَّ ذُو الأداةِ) أي صاحب الأداة وهي أل التعريفية، وهذا هو النوع الخامس من أنواع المعارف (وهيَ) أي الأداة التي يحصل بها التعريف (ألْ عندَ الخليلِ وسيبويهِ) بحرفيها معا الهمزة واللام (لا اللامُ وحدَها خلافًا للأخفشِ) فقد ذهب الأخفش وهو من علماء النحو الكبار إلى أن الأداة التي تُكسب النكرة التعريف هي اللام فقط وأما الهمزة فهي حرف أتي به للتوصل إلى النطق بالساكن أي أن اللام في ألْ ساكنة فلا يمكن أن ينطق بها في أول الكلام فجيء بهمزة الوصل للتوصل إلى النطق بها من غير أن يكون للهزة دور في التعريف بخلاف قول سيبويه والخليل فالأداة التعريفية عندهما هي الحرفان معا، ثم بدأ بتقسيم ألْ بحسب معانيها فقال: (وتكونُ للعهدِ) بأن يراد بمصحوبها شيء معين (نحوُ في زجاجةٍ الزجاجةُ) قال تعالى: (مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ) فمصباح ذكر أولا نكرة ثم معرفة فتكون أل فيه للعهد الذكري، وزجاجة ذكرت نكرة أولا ثم معرفة فتكون أل فيها للعهد الذكري أيضا (وجاءَ القاضي) أي القاضي المعهود أي المعروف عند المخاطب فتكون أل فيه للعهد الذهني، ويمكن أن يصلح هذا المثال للعهد الحضوري أيضا إذا قلت جاء القاضي وهو قادم نحوكَ (أو للجنسِ) بأن لا يقصد بمصحوب أل فرد معين بل بيان الحقيقة (كأهلكَ الناسَ الدينارُ والدرهمُ) فأل في الدينار والدرهم للجنس أي لبيان الحقيقة فليس المقصود دينارا ودرهما معينين، وليس المقصود أيضا كل دينار وكل درهم لأن منهما ما هو زاد للمؤمنين في دنياهم فتعين أن يكون المقصود هو الحقيقة، وأصل هذه المقولة أثر أخرجه ابن أبي شيبة عَنْ أَبِي مُوسَى، قَالَ: «إِنَّمَا أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ هَذَا الدِّينَارُ وَالدِّرْهَمُ وَهُمَا مُهْلِكَاكُمْ» قال الحافظ ابن حجر في المطالب العالية: صحيح موقوف. اهـ وقد ورد مرفوعا أيضا وأعله الدارقطني في العلل واستظهر أن الصواب هو الموقوف، وقوله: هذا الدينار وهذا الدرهم أريد بهما الجنس لأنه لا يعقل أن يكون هذا الدينار وهذا الدرهم الحاضران بعينهما قد أهلكا من كان قبلهم (وجعلنا من الماءِ كلَّ شيءٍ حيٍّ) أل في الماء لبيان الحقيقة أيضا بدليل حسي وهو أن الماء الذي نشربه مثلا لم يخلق منه الأحياء فلا يصح أن يكون المعنى وجعلنا من كل ماء كل شيء حي لأنه يقتضي استهلاك جميع المياه في الخلق والله أعلم (أو لاستغراقِ أفرادِهِ نحوُ وخُلِقَ الإنسانُ ضعيفًا) أي خلق كل إنسان ضعيفا (أو) لاستغراق (صفاتِهِ) بأن يكون القصد أن كل صفات أفراد الجنس اجتمعت في فرد واحد على وجه المبالغة (نحو زيدٌ الرجلُ) أي الجامع لكل صفات الرجال المحمودة. (وإبدالُ اللامِ ميمًا لغةٌ حِمْيَرِيَّةٌ) حِمْيَر قبيلة أصلها في اليمن ولها فروع عديدة كانوا يبدلون اللام في ألْ بالميم فيقولون في الرجل: امْرَجلُ وفي الكتاب: امْكتابُ. ثم ختم بالنوع السادس من المعارف وهو المضاف إلى معرفة من المعارف السابقة فقال: (ثمَّ المضافُ إلى واحدٍ مما ذُكِرَ) من المعارف السابقة نحو كتابك، وكتاب زيدٍ، وكتاب هذا، وكتاب الذي أكرمك، وكتاب الفقيه (وهوَ بحسبِ ما يضافُ إليهِ) أي يكون المضاف رتبته بحسب ما يضاف إليه (إلا المضافَ إلى الضميرِ فكالعلمِ) لأن العلم يوصف بالمضاف إلى الضمير في قولك: جاءَ زيدٌ صاحبُكَ، فلو كان المضاف إلى الضمير برتبة الضمير لاقتضى هذا أن تكون الصفة أعرف من الموصوف، وهذا لا يجوز لأن الصفة تابعة والموصوف متبوع والتابع لا يكون أعرف من المتبوع، ولأن الحكمة أن يبدأ المتكلم بما هو أعرف عند المخاطب فإن اكتفى به المخاطب فذاك ولم يحتج إلى نعت، وإلا زاده من النعت ما يزداد به المخاطب معرفة. تنبيه: قد ظهرت النكتة في استعمال المصنف ثم في العطف بين المعارف فإنه قال الضمير ... ثم العلم ... ثم الإشارة .. إلخ ليدل على أن رتبها في التعريف متفاوتة.