اسم الکتاب : ملتقى أهل اللغة المؤلف : مجموعة من المؤلفين الجزء : 1 صفحة : 2320
الثاني: أن يختلفا معنًى؛ ولكن يجوزُ لنا أن نحملَهما عليهما معًا في السياقِ الواحدِ. وهذا لا يُحصَى في تفسيرِ كلام الله تعالى؛ فتجدهم يوجّهون الشيءَ عدةَ توجيهاتٍ، معَ أنَّ من شِأنِ المتكلِّمِ أن يقصِد إلى معنًى واحدٍ؛ فمن ذلكَ أنهم أعربوا (آلم) أعاريبَ شتّى؛ كلُّ إعرابٍ منها يقتضي معنًى غيرَ الآخرِ، معَ أنَّ وجهَ القولِ أن يكونَ القصدُ شيئًا واحدًا. فهذا ضربٌ آخرُ غيرُ الأولِ، لأنَّ المعنى يختلِف فيهِ لاختلافِ الإعرابِ (أعني التقديرَ الإعرابيّ).
ومن شأنِ المعربِ، ليعيّنَ المعنى المرادَ، أن ينظرَ من أيِّ الضربينِ هو؛ فإن كان من الضربِ الثاني نظرَ في القرائن المعنويةِ، كالنظر في قصةِ القولِ، والنَّظر في عادةِ المتكلِّم، وغايتِه، وقصدِه. وكالنظرِ في حالِ المتكلّم، وحالِ المخاطبِ. ثمّ بعد هذا ربما اهتدى إلى تعيينِ المعنى. وربّما انتهى إلى حصرِه في معانٍ معدودةٍ. وهذه القرائنُ تهديك إلى الفرقِ بينَ أشياءَ كثيرةٍ، كالفرقِ بين البيان، وعطفِ البدلّ، وكالفرقِ بين المبتدأ والخبرِ. والنحاة المتأخرون لا يلتفتونَ كثيرًا إلى هذه القرائنِ؛ وإنما يوردونَ كلَّ ما جازَ لفظًا؛ فيفصلون بذلك النحوَ عن علم المعاني. وهذا في رأيي غيرُ صوابٍ، لأنهما شيءٌ واحدٌ، لا ينفكَّانِ. وهذا الذي عليهِ سيبويه رحمه الله وغيرُه من المتقدِّمينَ.
وأما الضربُ الثاني، فلمّا كانَ المعنى فيهِ واحدًا، لم يبقَ لكَ إلا النظرُ في القرائنِ اللفظيةِ؛ إذْ إنهما وإن اتفقا في الإعراب، فإنه لا بدّ أن يختلفا في الأحكامِ، ولا يقعُ كلَّ واحدٍ منهما موقِعَ الآخرِ بإطلاقٍ؛ وذلك لاختلافِ الأساليبِ. من ذلكَ " مَن "؛ فإنك لا تجِد قرائنَ معنويةً تعيّنُ أهي موصولة، أم شرطية؛ فتلجأ إلى القرائنِ اللفظيةِ. وسأشيرُ هنا إلى بعض ما ذكره الرضيّ.
ذكرَ الرضيّ أن " مَن " الموصوليةَ تتعيَّنُ في نحوِ " آتي من أتاني " عند ابنِ السرّاجِ، لأنه هو الظاهرُ؛ إذ لو جعلتَها شرطيّةً، لأفضى بك هذا إلى حذفِ الجوابِ. والأولَى عدمُ التقديرِ. قلتُ: ولكنّ هذا القانونَ مردودٌ بكثرةِ تقديرِ الجوابِ في أدواتِ الشرطِ؛ نحو ((واتقوا الله إن كنتم مؤمنينَ))؛ فلو قدرتَ تلكَ شرطيةً، فما تقدّرُ هذه؟ لا محيصَ من الحكم بشَرطيتِها. فإن قالَ: أفرّقُ بينهما، فهذه ثبتَ الدليل على شرطيتها؛ فأقضي لها بذلك. وتلك لم يثبت الدليلُ على شرطيتِها؛ فتبقَى على الأصل؛ وهو العملُ بالظاهر. قلتُ: ولكنَّ قانونَ البقاء على الأصلِ؛ وهو عدمُ التقديرِ، والعملُ بالظاهرِ ضعيفٌ؛ فإذْ ثبتَ في بعضِ أدواتِ الشرطِ الخروجُ عنه بكثرةٍ، انبغَى على الأقلِّ أن يجوزَ هذا في سائرِ الأدواتِ، لأنَّهما يُنميانِ إلى أسلوبٍ واحدٍ؛ وهو أسلوبُ الشرطِ. وكونُ (إنْ) حرفًا، ومَن (اسمًا) علةٌ غيرُ مؤثّرةٍ في الحكمِ. وتترجّحُ الموصوليةُ في نحوِ " آتي من يأتيني ". لأنَّ المضارعَ مرفوعٌ؛ والشرطيةُ تقتضي جزم الفعلِ المضارع.
إلى آخرِ ما ذكرَ رحمه الله.
أبو قصي
ـ[أبو كمال]ــــــــ[02 - 06 - 2008, 09:26 ص]ـ
أستاذنا الفاضل أبا قصي ومن معه من الندامى الكرام المحببين إلى القلب والعين، أستميحكم عذرًا في الانقطاع عنكم مدة قد تطول أو تقصر؛ لأني مقيم بالكويت ومسافر يوم الخميس الموافق5/ 6 إلى مصر الحبيبة في إجازة لمدة شهر ونصف الشهر. وإن تيسر لي أن أتواصل معكم من أرض الكنانة فلن أضيع الفرصة، وإلّا فسيكون اللقاء بعد العودة إن شاء الله ... نستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه.
ـ[أبو العباس]ــــــــ[02 - 06 - 2008, 10:08 ص]ـ
حفظك الله يا أبا كمال في حلّك وترحالك ..
وإنا للقائك كرّةً أخرى لمشتاقون ..
أبو العباس
ـ[فيصل المنصور]ــــــــ[02 - 06 - 2008, 02:22 م]ـ
أصحبَك الله السلامةَ، ووكَّلَ بكَ النَّجاحَ، وحفظَك حيثُما كنتَ يا أبا كمال.
أبو قصي
اسم الکتاب : ملتقى أهل اللغة المؤلف : مجموعة من المؤلفين الجزء : 1 صفحة : 2320