يَشِيعُ علَى ألسنةِ النَّاسِ -اليومَ- قولُهم: (لا يخفاك). وكنتُ وقفتُ علَى كلامٍ يتعلَّقُ بهذا في كتاب «الأخطاء الشَّائعة في استعمالات حروف الجَرِّ 135»، ورأيتُ أنْ أنقلَهُ للفائدةِ. يقولُ مؤلِّفُهُ د. محمود إسماعيل عمَّار:
(يُخْطِئُ كثيرٌ من النَّاسِ في استعمالِ هذا الفعلِ [خَفِيَ]، فيجعلونَهُ مُتَعدِّيًا بنفسِه، ويقولون: لا يَخْفاكَ ما أقْصِدُ، ولا يَخْفَاهُ أنَّ الاختبارَ قريبٌ، ولا يخفاكم العمل الَّذي قدَّمه المدير السَّابق، ولا تخفاكم أهميَّة المشروع.
وهذا الفِعلُ يتَعدَّى بحرفِ الجَرِّ (علَى)، والصَّوابُ أَن يُقالَ: لا يَخْفَى عليكَ ما أقصدُ، ولا يخفى عليه أنَّ الاختبار قريب، ولا يخفَى عليكم العمل الَّذي قدَّمه، ولا تخفى عليكم أهميَّة المشروع.
وبذلك جاءَ التنزيلُ، فقال تعالَى: ((إِنَّ اللَّهَ لا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ)) (آل عمران 5)، ((إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا)) (فصلت 40)، ((لا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ)) (غافر 16).
وقد يُسْتَغْنَى عن الجارِّ والمجرور، أو تأتي بعده (مِن)؛ مثل: ((إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى)) (الأعلى 7)، ((لا تَخْفَى مِنكُمْ خَافِيَةٌ)) (الحاقة 18)، وتظلُّ (عَلَى) ملحوظةً في الكلامِ كما نَرَى.
ويتعدَّى الفِعْلُ بالهمزةِ، وهو كثيرٌ في القرآنِ الكريمِ، ومنه قولُه تعالَى: ((وَإِن تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ)) (البقرة 284).
ومِنَ العجيبِ أنَّ هذا الخطأ وَقَعَ لبعضِ كبارِ الكُتَّاب، كصاحبِ «نفح الطِّيبِ»، فقد جاءَ في المُجلَّدِ الثَّاني مِن كتابِه: (ولا يخفاك حُسْنُ هذه العِبارةِ)، فبناها على الحَذْفِ والإيصالِ) انتهَى.
قُلْتُ: وقد وَقَعَ -أيضًا- في كلامِ عبد القادرِ البغداديِّ (ت 1093)؛ إذْ يقولُ في «الخزانة 9/ 107»: (ولا يَخْفاكَ أنَّ ما نَقَلَهُ عَنِ السُّهَيْليِّ في الموضعَيْنِ مُختلف). وفي كلامِ الزَّبيديِّ (ت 1205) في «تاج العروسِ - مادَّة (رجأ)» إذْ يقولُ: (وأنتَ لا يخفاكَ أنَّ الجوهريَّ لم يَقُلْ ذلك)، وفي كلامِ غيرِهما مِنَ المتأخِّرينَ.
ـ[محمد بن إبراهيم]ــــــــ[19 - 12 - 2010, 08:30 ص]ـ
جزاكم الله خيرًا.
ومن الطريف أنه يقال: خفي عليه إذا استتر، وخفي له إذا ظهر.
وأُظهِرُ أسبابَ الغنى بينَ رفقتي **لِيَخْفَاهُمُ حالي وإنِّي لَمُعْدَمُ
الصواب: (وإني لمعدِم) من أعدم الرجل إذا افتقر.
والله أعلم.
ـ[الأديب النجدي]ــــــــ[19 - 12 - 2010, 06:31 م]ـ
جزاكم الله خيرًا.
ومن الطريف أنه يقال: خفي عليه إذا استتر، وخفي له إذا ظهر.
الصواب: (وإني لمعدِم) من أعدم الرجل إذا افتقر.
والله أعلم.
أحسنتَ، واسمعْ منِّي! أتصَدِّقُ أنِّي كنتُ كلَّما سمعتُ من يَّقول: مُعدَم، قلتُ له: الصواب: معدِم!
بل وأنا أكتبُ هذا الردَّ، استحضرتُ كلاماً لي معَ بعضِ صحبي حولَها (ولكنَّ ما يُقضى فسوف يكون)، (وخُلِقَ الإنسان ضعيفًا).
وجزاكَ الله خيراً، وإنِّي أُسَرُّ غايةَ السُّرورِ، إذ أرى تنبيهكَ لَنَا (نا= الجلساء!) على ما نقعُ فيه من لحنٍ، وغلَط، صيانةً لإخوانك من اللحن.
ـ[محمد بن إبراهيم]ــــــــ[21 - 12 - 2010, 05:09 ص]ـ
يا عمي الشيخ،
أنا أحبو بينكم، ومنكم نتعلم ونستفيد الخلق والعلم.
الأستاذ/ المجد المالكيّ
هل لكَ أن تَدُلَّني علَى الكِتابِ الَّذي ذُكِرَتْ فيه هذه الفائِدةُ:
ومن الطريف أنه يقال: خفي عليه إذا استتر، وخفي له إذا ظهر.
وجزاكَ اللَّهُ خيرًا.
ـ[محمد بن إبراهيم]ــــــــ[28 - 12 - 2010, 02:48 م]ـ
بارك الله فيك.
هي في المصباح المنير.
ـ[عائشة]ــــــــ[16 - 02 - 2011, 01:44 م]ـ
وهذه فائدةٌ قريبةٌ ممَّا ذَكَرَهُ الأُستاذُ / المجد المالكيُّ -جزاه الله خيرًا-:
قالَ أبو بكرٍ الأنباريُّ -رحمه اللهُ- في «شرح القصائد السبع الطِّوال 266»: (يُقالُ: خَفِيَ الشَّيءُ يَخْفَى؛ إذا استتَرَ. وأخْفَيْتهُ؛ إذا سَتَرْتهُ. وَخَفَيْتهُ؛ إذا أظهرتهُ) انتهى.
وقالَ في «الأضداد 95»: (وأَخْفَيْتُ: حرفٌ من الأضدادِ؛ يُقالُ: أخفيت الشَّيءَ؛ إذا سترته، وأخْفَيْتهُ؛ إذا أظهرتهُ ... ويُقالُ: خَفَيْتُ الشَّيءَ؛ إذا أظهرتُهُ. ولا يقعُ هذا -أعني الَّذي لا ألفَ فيه- علَى السترِ، والتَّغطيةِ) انتهى.
وقال ابنُ السِّيد البطليوسيُّ -رحمه الله- في «الاقتضاب 2/ 247»: (إنَّما اللُّغتانِ في (أخفَيْت) الَّذي هُو فعلٌ رُباعيٌّ ... فأمَّا (خَفَيْت) الثُّلاثيُّ؛ فإنَّما هُوَ بمعنَى أظهرتُ لا غير) انتهى.
وقد استعمَلَ أبو تمَّامٍ اللَّفظَتَيْنِ في بيتٍ واحدٍ؛ يقولُ [من الكامل]:
عُرْفٌ غَدَا ضَرْبًا نَّحِيفًا عندَهُ ... شُكْرُ الرِّجَالِ وإنَّه لَجَسِيمُ
أَخْفَيْتَهُ فَخَفَيْتُهُ وَطَوَيْتَهُ ... فَنَشَرْتُهُ والشَّخْصُ مِنْهُ عَميمُ
واللهُ تعالى أعلمُ.
¥
اسم الکتاب : ملتقى أهل اللغة المؤلف : مجموعة من المؤلفين الجزء : 1 صفحة : 1376