اسم الکتاب : ملتقى أهل اللغة المؤلف : مجموعة من المؤلفين الجزء : 1 صفحة : 1375
هذا الحديث عن ضبطِ (يحتمل) غيرُ شافٍ، ولا وافٍ. وأراه قد أحدَثَ شيئًا من اللَّبس، والإشكالِ.
والرأيُ أنَّ (احتمَلَ) فِعلٌ متعدٍّ، وليس لازمًا بوجهٍ من الوجوهِ كما زعمَ صاحبُ (المصباحِ المنيرِ)، لأنه بمعنَى (حمَلَ). و (حمَلَ) متعدٍّ، تقولُ: (حمَلتُ الشيءَ، واحتملتُه) كما تقولُ: (كسَبتُه، واكتسبتُه). وما ذكرَه دعوى لا دليلَ عليها.
وقولُ أهلِ العلمِ: (هذه المسألةُ تحتمِلُ كذا وجهًا) راجعٌ إلى هذا.
وإذن فالصحيحُ في ضبطِ مضارعِه أنَّك إذا أسندتَّ الفِعلَ، أو الاسمَ المشتقَّ منه إلَى المسألةِ، أو نحوِها من مَّا يتضمَّن وجهًا، أو وجوهًا صحيحةً، أو باطلةً، فإنَّك تبنِيه للمعلومِ إن كانَ فعلًا، أو اسمِ الفاعلِ إن كانَ اسمًا لأنَّها هي التي وقعَ منها الاحتِمالُ، أي حملُ الوجوهِ. وإذا أسندتَّه إلى الوجوهِ الممكنةِ، فإنَّك تبنِيه للمجهولِ إن كانَ فِعلاً، أو اسمِ المفعولِ إن كانَ اسمًا لأنها في الأصلِ مفعولٌ بها لأنَّ المسألةَ احتملتْها.
-وعلَى ذلك تقولُ: (هذا الأمرُ غيرُ جائزٍ، ولا محتمَلٍ) بفتح الميمِ لأنَّه اسمُ مفعولٍ. وذلك لإسنادِه إلَى الوجهِ الممكنِ، وليس إلى المسألةِ، ألا ترَى أن نائبَ الفاعلِ منه ضميرٌ مستترٌ تقديرُه (ولا محتمَلٍ هو). وهو يعودُ على (الأمر). و (الأمرُ) هو هنا بمعنَى (الوجه)، أو (التخريج)، أو (الجوازِ) الذي قد تتضمَّنُه المسألةُ.
-وتقولُ: (لا يُحتمَلُ أن يأتيَ محمدٌ)، فتبني الفِعلَ للمجهولِ لأنَّه مسنَدٌ إلى (أن يأتي محمدٌ). وذلك مئوَّلٌ بـ (إتيانِ محمَّد). و (إتيانُ محمَّد) وجهٌ من الوجوهِ الممكنةِ. وأصلُ الجملةِ قبلَ حذف الفاعلِ (لا يحتمِل الحال، أو الأمر أن يأتيَ محمَّدٌ). ولو قلتَ: (لا يحتمِل أن يأتي محمدٌ)، فبنيتَه للمعلومِ، فإن (إتيان محمدٍ) يكون هو الفاعلَ الذي يحمِلُ وجوهًا ممكنةً، وتبقى الجملةُ بلا مفعولٍ. والحقُّ أنَّ (إتيانَ محمّدٍ) هو الوجهُ الممكنُ الذي نُفِيَ.
-وتقولُ: (الغلطُ محتمَلٌ) لأنَّ (الغلطَ) وجهٌ من الوجوهِ، أو أمرٌ من الأمورِ التي تحتمِلها المسألة، أو الكلامُ، أي تحمِلها.
-وتقُول: (رسمُ اللفظ في المخطوطة محتمِلٌ كذا) بكسر الميمِ، اسم فاعلٍ، لأنه مسنَد إلى ضميرٍ يعودُ على (رسم اللفظ). و (رسمُ اللفظ) يحمل، أو يتضمَّن وجوهًا.
-وإذا أجرَينا هذا التأصيلَ على بيتِ صاحبِ (الموطَّأة):
وكلُّها تقولُ فيه: يفعُلُ ... بالضمِّ، لكنْ في الصَّبا يحتملُ
وجدنا أنه يجوز بناء الفعل للمعلومِ (يحتمِل)، وبناؤه للمجهول (يُحتمَل) لأنك إن أردتَّ إسناده إلى (الفعل)، فإنك تقول: (يحتمِل) لأنَّ (الفِعلَ) مسألة تتضمَّن وجوهًا ممكنةً، أي: لكن الفِعل في (الصَّبا) يحتمِل الضمَّ، وغيرَه. وإن أردتَّ إسنادَه إلى (الضمِّ)، قلتَ: (يُحتمَل) لأن (الضمّ) وجهٌ من الوجوهِ الممكنةِ في الأصلِ، أي: لكن الضمَّ في (الصَّبا) يُحتمَل، أي: يحتمِلُه الفعلُ، وقد يجيزُ غيرَه، فيُبنى للمجهولِ لأن الأصلَ (يحتمِلُ الفعلُ الضمَّ)، فلما حُذِف (الفِعل) نابَ منابَه المفعول، وبُني (يحتمِل) للمجهول، فصار (يُحتمَلُ).
اسم الکتاب : ملتقى أهل اللغة المؤلف : مجموعة من المؤلفين الجزء : 1 صفحة : 1375