responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : ملتقى أهل اللغة المؤلف : مجموعة من المؤلفين    الجزء : 1  صفحة : 1366
وقد ذكر أبو الفضل الصُّوري في تذكِرَتِه: أنَّ المكتوب من الدِّيوان إنْ كان مُكاتبةً، فالواجب أن يكون عنوانُها بخطِّ مُتولِّي الدِّيوان، وإن كان منشورًا، فالواجب أن يكون التاريخُ بِخَطِّه؛ ليدلَّ على أنه وقف على المكتوب، وأمضى حُكْمَه ورضِيَه، ويكون ذلك قد قام مقام كتابةِ اسمه فيه.

ثم قال: وقد كان الرسم بالعراق - وفيه الكُتَّاب الأفاضل - أن يكتب الكُتَّابُ ما يكتبون، ثم يقولون في آخِرِه: "وكتبَ فلانُ بنُ فلان" باسم متولِّي ديوان الرسائل.

وما ذكره عن أهل العراق قد ذكَر نَحْوَه أبو جعفرٍ النَّحَّاسُ في "صناعة الكُتَّاب"، إلاَّ أنه قد جعل بدل اسم متولِّي الدِّيوان اسم الوزير، فقال: ويُكتَب في آخر الكِتَاب: "وكتب فلانُ بن فلان" باسْمِ الوزير واسم أبيه.

وقد رأيت نُسَخًا عدَّة من سجِلاَّت الْخُلفاء الفاطميِّين بالديار المِصْرية مُستشهَدًا فيها باسم الوزير على النَّهْج المذكور، على أنه كان الواجبُ أن يكون الاستشهادُ في آخِرِ كلِّ كتابٍ باسم كاتبه الذي يكتبه؛ لِيُعلَم مَن كتَبَهُ؛ فإنَّ الخطوط كثيرة التَّشابه، لا سيَّما وقد كَثُر كتَّاب الإنشاء في زماننا، وخرجوا عن الحدِّ، حتَّى إنَّه لَم يَعْرِف بعضُهم بعضًا، فضلاً عن أن يَعرِف خطَّه.

وقد كان كُتَّاب النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - إذا سجَّلوا عنه سجِلاًّ أو نحوه كتب الكاتبُ في آخره: "وكتب فلان بن فلان"، وهذه الرُّقعة التي كتبها النبِيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - لِتَميمٍ الدَّاريِّ بإقطاع قُرًى من قرى الشام موجودة بأيدي التَّميميِّين إلى الآن، مُستَشهَدًا فيها بخطِّ أمير المؤمنين عليِّ بن أبي طالب - كرَّم الله وجهه.

وإنما عدَلُوا عن اسم الكاتب نفْسِه إلى اسم متولِّي الديوان أو الوزير؛ استصغارًا للكاتب أن يُستَشْهَد للكِتَاب باسْمه فيما يُكتَب به عن الخليفة.

قال أبو هلالٍ العسكريُّ في كتابه "الأوائل": وقد قالوا: إنَّ أوَّلَ مَن كتب في آخِر الكتاب: "وكتب فلان بن فلان" أُبَيُّ بن كعب - رضي الله عنه".

وبعد هذه السياحة في "صُبْح الأعشى" نَجِد الواو تأتي قبل جُمْلة معطوفة على استئنافٍ مقدَّر، تقديرُه: انتهى الكتاب وكتبَه؛ تَمييزًا لكاتبه حتَّى إذا كانت هناك مسؤوليَّة تَحمَّلها هو.

أمَّا في السياقات الحديثة، فالكتاب يكون منسوبًا إلى صاحبه، لا ينازعه فيه أحد؛ لذا لا أَجِد دافِعًا إلى كتابة الواو.

(4)

ثم نُبِّهْتُ إلى ورود هذا التَّعبير في كتُبِ السِّيرة، فبحَثْتُ وكانت النتيجةُ الآتية الَّتي تكرَّرت مرَّتَين في كتاب "سبُل الهدى والرَّشاد، في سيرة خير العباد، وذِكْر فضائله وأعلام نبوَّتِه وأفعاله وأحواله في المبدأ والْمَعاد"؛ لِمحمد بن يوسف الصالحي الشامي:

أ - الباب الثلاثون: في استكتابه - صلَّى الله عليه وسلَّم - محمدَ بن مسلمة - رضي الله تعالى عنه -:

قال ابنُ سعد: قالوا: وكتَب رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: هذا كتابٌ من مُحمَّدٍ رسولِ الله لمهري بن الأبيض على مَن آمن من مهرة: أنَّهم لا يُؤكلون ولا يُغار عليهم، ولا يعركون، وعليهم إقامة شرائع الإسلام، فمن بدَّل فقد حارب الله، ومن آمن به فله ذمَّة الله وذمَّة رسوله، اللُّقَطة مؤدَّاة، والسَّارحة مندَّاة، والتَّفث السيِّئة، والرَّفث الفُسوق؛ وكتب محمد بن مسلمة الأنصاري.

ب - الباب التَّاسع والثَّمانون: في وفود مَهْرَةَ إليه - صلَّى الله عليه وسلَّم -:

قال ابنُ سعد - رحمه الله تعالى -: قالوا: قدم وَفْد مهرةَ عليهم مهريُّ بن الأبيض، فعرض عليهم رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - الإسلام، فأسلموا ووصَلَهم، وكتب لهم: "هذا كتاب من محمَّد رسول الله لمهري بن الأبيض على مَن آمن به مِن مهرة، ألاَّ يؤكلوا ولا يعركوا، وعليهم إقامة شرائع الإسلام؛ فمن بدَّل فقد حارب، ومن آمن به فله ذمَّة الله وذمَّة رسوله، اللُّقَطة مؤدَّاة، والسارحة منداة، والنَّفث السيِّئة، والرَّفث الفسوق"؛ وكتب محمد بن مسلمة الأنصاري.

وهنا نجد الكاتب يكتب اسْمَه؛ تنبيهًا وفصْلاً عن غيره من الكتَبَة.

(5)

وبعد هذه الرِّحلة مع هذه النُّصوص التي تغنينا عن غيرها، أسأل: هل سياقُ مقدِّمة الكتب يُمْكن قياسُه على هذا السِّياق الإشهاديِّ؟ أو يَحْتوي على ما يُشير إلى السَّابق كالقرآن الكريم؟ أو يُشابه السِّياقات الأخرى؟

والجواب عندي: لا.

لذا؛ أُخَطِّئ مَن يكتب بعد فراغه من مقدِّمة كتابه: "وكتبه فلان"؛ لأنَّ هذه الواو غيرُ مُفسرة في هذا السِّياق.

ولو حاوَلْنا التمَحُّل، وقلنا: إنَّها عاطفة بتقدير: قاله وكتبه فلان، لكان التمحُّل بعيدًا؛ لأن السِّياق سياقُ تحرير، لا سياق قول، أو قول وتحرير.

ولو قلنا: إنَّها استئناف مسبوق بِمُقدَّر: "هذا، وكتبه فلانٌ"، لكان حذف "هذا" لا داعِيَ له.

اسم الکتاب : ملتقى أهل اللغة المؤلف : مجموعة من المؤلفين    الجزء : 1  صفحة : 1366
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست