اسم الکتاب : ملتقى أهل اللغة المؤلف : مجموعة من المؤلفين الجزء : 1 صفحة : 1143
رد على رأي لبعض المحدَثين في منع (أشياء) من الصرف
ـ[فيصل المنصور]ــــــــ[01 - 10 - 2011, 10:33 م]ـ
البسملة1
ظهَر قبلَ مُدَّةٍ قولٌ مستحدَثٌ لبعضِ المعاصِرين يرَى فيه أنَّ (أشياء) ليست في الأصلِ ممنوعةً من الصرفِ، لأنَّها على زنةِ (أفعال). وإنما مُنِعت من الصرف في قولِه تعالَى: ((يا أيها الذين آمنُوا لا تسألوا عن أشياءَ إن تُبدَ لكم تسؤكم)) [المائدة: 101] لعلَّة الاستثقالِ في هذا الموضع، من قِبَلِ أنَّ في ذلكَ تَكرارَ حرفينِ علَى الوَلاء. وذلكَ قولُه: (ءٍ إنْ). وهذه صورتُها (إنْ إنْ). فأمَّا العربُ، فزعمُوا أنهم كانوا يصرفونها. واحتجُّوا ببعضِ الأبياتِ من الشعر، كقولِ الأعلم حبيب بن عبد الله الهذليّ (جاهليّ):
جَزَى اللهُ حَبْشِيًّا بِما قالَ أَبْؤُسًا ... بما رامَ أشْياءًا بنا لا نَرُومُها
وقولِ أبي قيس بن الأسلت (جاهليّ):
أَرَبَّ النّاسِ أشْياءٌ أَلَمّتْ ... يُلفُّ الصَّعبُ مِنها بالذَّلُولِ
وقولِ قيس بن الخطيم الأوسي (ت 2 ق هـ):
ثأرت عديًا والخَطيمَ فلم أضِع ... ولاية أشياءٍ جُعِلت إزاءها
وقول بشار بن برد (ت 167 هـ):
أَمّا الحَياة فَكُلُّ النّاسِ يَحفظُها ... وفِي المَعِيشَةِ أَشْياءٌ مَناكِيرُ
وقد تزعَّمَ هذه المقالةَ محمود البشبيشي، وكتبَ في مجلة الرسالة عام 1367 هـ كلامًا يحتجّ به لذلك، وتبِعَه على هذا نفرٌ من الباحثينَ، كرمضان عبد التواب، وغيره [1] (http://www.ahlalloghah.com/newthread.php?do=newthread&f=3#_ftn1).
وهذا القولُ لا جرمَ قولٌ ساقطٌ ضعيفٌ. وهو منبتٌّ عن مذاهبِ العربِ في كلامِها، وتصرُّفاتِها في أحكامها. والردُّ عليه من وجوهٍ سبعةٍ:
الأول: أنَّ منع (أشياء) من الصرف ليس في كلامِ الله تعالَى، وحسبُ، وإنما هو كلامُ العربِ جميعًا، لا يعرِفونَ غيرَه. وقد نصَّ على هذا بعضُ العلماءِ، كصاحب (العين) الخليلِ بن أحمدَ (ت 175 هـ)، أو غيرِه، قالَ: (والعربُ لا تصرِف أشياء) [2] (http://www.ahlalloghah.com/newthread.php?do=newthread&f=3#_ftn2)، وأبي حاتمٍ السجستانيِّ (ت 255 هـ)، قالَ: (أشياء أفعالٌ مثلُ أنباءٍ. وكان يجب أن تنصرف، إلا أنّها سُمعت عن العرب غير مصروفة، فاحتال لها النحويون باحتيالات لا تصح) [3] (http://www.ahlalloghah.com/newthread.php?do=newthread&f=3#_ftn3). ولو كانَ العربُ، أو بعضُهم يصرِفون هذه الكلمةَ، لنقلَ النُّحاة ذلكَ عنهم، وهم الذين لقوهم، وخالطُوهم، وسمِعُوا عنهم. ويدلُّك على هذا أيضًا أنَّ القرَّاء مجمِعونَ على منعِ هذه الكلمةِ من الصرفِ في قراءاتِهم المتواترة والشاذة معَ أنَّك لا تكادُ تجدُ لكلمةٍ من القرآنِ وجهًا في العربيَّةِ يجوزُ الحملُ عليه، وإنْ كانَ ضعيفًا، إلا قرءُوا به. فلولا أنَّ هذه لغةُ العربِ جميعِهم، لرأيتَ من يقرأ بصرفِها.
كما وردت في الشِّعر ممنوعةً من الصرفِ، قال أُحيحة بن الجُلاح (ت 129 ق هـ):
وأعرِض عن أشياءَ لو شئتُ نلتُها ... حياءً إذا ما كانَ فيها مقاذِعُ
وقالَ زهير بن أبي سلمى (ت 13 ق هـ):
قلت لها: يا اربَعي أقل لكِ في ... أشياءَ عندي من علمها خبَرُ
وقال معن بن أوس المُزنيُّ (ت 64 هـ):
وإني على أشياءَ منكَ تَريبني ... قديمًا لذو صفحٍ على ذاك مجمِلُ
وقالَ المقنَّع الكِنديُّ (70 هـ):
يعاتِبني في الدَّين قومي، وإنما ... ديونيَ في أشياءَ تَكسِبهم حمدا
وقال عَمْر بن أحمر الباهلي (ت 75 هـ):
وأشياءُ من مَّا يعطِف المرءَ ذا النُّهى ... تشكّ على قلبي، فما أستبينها
وقالَ توبة بنُ الحُميِّر (ت 85 هـ):
رماني وليلَى الأخيليَّةَ قومُها ... بأشياءَ لم تُخلق، ولم أدرِ ما هيا
وقال عُمَر بن أبي ربيعة (93 هـ):
دعاه إلى هندٍ تصابٍ، ونَظرةٌ ... تدُلُّ على أشياءَ فيها متالفُ
وقال مزاحِم العقيليُّ (ت 120 هـ):
بأشياءَ من مَّا يأشِبُ الناسُ لو رمَوا ... بها البدرَ أضحَى لونُه وهو كاسِفُ
وغيرُها كثيرٌ.
فإن قالُوا:
ولكن قد يجوز أن تكونَ هذه الكلمةُ مصروفةً، وإنما منعُوها من الصرفِ في هذه الأبياتِ اضطرارًا.
قلتُ:
هذا الاعتراض مدفوعٌ من ثلاثةِ أوجهٍ:
الأول: أنَّهم لو كانوا كما زعمتم، لبلغَنا عنهم شواهدُ قاطعةٌ تثبت أنهم كانوا يصرِفونَ هذه الكلمةَ. وقد أعياكم أن تأتوا على ذلك بشاهدٍ صحيحٍ بريءٍ من الطعنِ.
¥
اسم الکتاب : ملتقى أهل اللغة المؤلف : مجموعة من المؤلفين الجزء : 1 صفحة : 1143