responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : ملتقى أهل اللغة المؤلف : مجموعة من المؤلفين    الجزء : 1  صفحة : 1144
الثاني: أنَّا نحتجُّ بقانونِ البقاءِ على الأصلِ، أو استصحابِ الحالِ، فإنَّ مجيء الكلمةِ في هذه الأبياتِ، وغيرِها ممنوعةً من الصرف هو الأصلُ. ولا تُقبَل دعوَى الخروجِ عن الأصلِ إلا بدليلٍ.
الثالث: أنَّا لم نجِد العربَ تمنعُ المصروفَ في شعرِها إلا نَزْرًا، حتَّى أبَاه البصريُّونَ. والشواهدُ التي احتجَّ بها الكوفيُّون كلُّها، أو جلُّها كانَ الممنوعُ فيها من الصرفِ فيها للضرورة أعلامًا. وكأنَّ ذلكَ لاستحبابِهم خِفَّةَ الأعلامِ، وسهولتَها. ولذلكَ أجازوا ترخيمَها في النِّداءِ بإطلاقٍ، كما أفردَها الكوفيُّون بترخيم التصغير. فإذا كانَ العربُ لا يكادُونَ يمنعُون العلمَ المصروفَ في الشِّعر معَ ما رأيتَ من استحبابِهم خِفَّة الأعلامِ، ومع أنَّ الشِّعرَ موضعُ اضطرارٍ، فلأن يتحاشَوا ذلكَ في غيرِ الأعلامِ أولَى، وأجدَرُ. وقد رأيتَ ما سقتُه لكَ من الشواهدِ التي جاءَت فيها كلمة (أشياءَ) ممنوعةً من الصرفِ. ومَن عرفَ مذاهبَ العربِ، وتحقَّقَ بأساليبِها عَلِمَ أنَّ من المَحالِ أن يكونَ ذلكَ على جهةِ الاضطرارِ، لأنَّ هذه الشواهدَ كثيرةٌ متوافِرةٌ. ولو كانَ الأمرُ كما زعَموا لوجدناهم يمنُعونَ نحوَ (أشياءَ) من الصرفِ، كـ (أفياء)، و (أسماء)، و (أبناء)، وغيرِها. وهذا ما لم يرتكِبُوه. ولا يكادُ المنقِّر المستقصي يَظفَر بشاهدٍ واحدٍ من صحيحِ الشِّعر المحتَجِّ به وقعت فيه هذه الأسماءُ، وأمثالُها ممنوعةً من الصرفِ، فضلاً عن أن يجِدَ للكلمةِ الواحدةِ منها أكثرَ من شاهدٍ كما في (أشياء).
فأما ما أوردوه من الأبيات التي ادَّعوا أن (أشياء) وردت فيها مصروفةً، فلا حجَّة فيها.
أما بيتُ حبيب بن عبد الله، فإنَّه لا شيءَ يوجِب قراءَته بصرفِ (أشياء)، إذ يمكن أن يقرأ بمنعها من الصرف، ويكونُ في البيتِ زِحاف الكفِّ. وهو زِحافٌ جائِزٌ.
وكذلكَ بيت أبي قيس بن الأسلت، إذْ يجوز أن يُقرأ بمنع الكلمة من الصرف، ويكون في البيت زِحاف النقص.
وأما بيت قيس بن الخطيم، فمعدولٌ عن الرِّواية الصحيحة. والصواب (ولايةَ أشياخٍ). وكذلك رَواه أبو تمامٍ (ت 231 هـ) في (حماسته) [4] (http://www.ahlalloghah.com/newthread.php?do=newthread&f=3#_ftn4)، وابن قتيبة (ت 276 هـ) في (المعاني الكبير) [5] (http://www.ahlalloghah.com/newthread.php?do=newthread&f=3#_ftn5)، وغيرُهما.
وأمَّا بيت بشارٍ، فلا يُحتجّ به، لأنَّه مولَّد. علَى أنَّه يجوز أن يقرأ بالمنع من الصرف على أن يكونَ في التفعيلةِ زحافُ الطيِّ.
الثاني: أنَّ ما علَّلوا به من الاستِثقال غيرُ قائمٍ، إذْ لو صُرِفت هذه الكلمةُ في القرآنِ، لم يؤدِّ ذلكَ إلى ثقَلٍ، بل هي عذبةٌ في السَّمعِ، خفيفةٌ على اللِّسان. ويصدِّق هذا أنَّه قد جاءَ في القرآن نظيرُه، قالَ تعالَى: ((وما أنزل الرحمن من شيءٍ إنْ أنتم إلا تكذبون)) [يس: 15]، فلو قالَ: (أشياءٍ إنْ)، لكانَ مثلَ ((شيءٍ إنْ)). علَى أنَّ في النونِ غنَّةً تقرِّبُها من حروفِ المدِّ، فهم يستخِفُّونها لذلك كما يستخِفُّون حروفَ المدِّ. ولذلك كثُرت زيادتُها، وحذَفوها من نحو (لم يكن) لشبهِها بها، وحذفوها أيضًا لالتقاء الساكنينِ في قولِه:
فلستُ بآتيهِ، ولا أستطيعُه ... ولاكِ اسقِني إن كانَ ماؤكَ ذا فضلِ
وزادُوها في أوَّل المضارعِ كما زادُوا حروفَ المدِّ، فقالوا: (أذهبُ، وتذهب، ويذهب، ونذهب). وتاءُ (تذهب) مبدَلة من الواو.
ولو كانوا يستثقِلون نحو (إِنْ إنْ)، لكانَ أخلقَ بهم أن يستثقِلوا ما هو أجْلَدُ من النونِ. وقد رأيناهم قالُوا في المكسور: (الخِمخِم)، و (السِّمْسِم)، ونحوَهما، وقالُوا في المفتوحِ: (صَرْصَر)، و (دمدمَ)، ونحوَهما، وقالُوا في المضمومِ: (فُلْفُل)، و (جُلْجُل)، ونحوَهما. وهذا كافٍ في إبطالِ العِلَّة التي زعمُوها.
الثالث: أنَّ العربَ لا تكادُ تعبأ بالاستثقالِ إذا كانَ ناشئًا من كلمتينِ. وذلكَ لعروضِه، ألا تراهم لم يوجِبوا إدغامَ المثلينِ إذا كانا في كلمتينِ، نحو (ذهبَ بَكرٌ) كما أدغموهما في (هبَّ)، ولم يُبدلوا الواو ياءًا معَ سكونِها في نحو (القاضيْ وَصل) كما أبدلوها في (سيِّد)، ولم يبدلُوا الواوَ ألفًا في نحو (حضرَ وَفد) مع تحركها، وانفتاحِ ما قبلَها كما أبدلُوها في (قالَ).
¥

اسم الکتاب : ملتقى أهل اللغة المؤلف : مجموعة من المؤلفين    الجزء : 1  صفحة : 1144
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست