له من قضايا الحياة، أو مما تمليه الحياة عليه، ومثل هذه الموضوعات يجعله أقرب إلى قلوب الناس، وأملك لزمام انتباههم وعواطفهم، فلا يجعل الموضوع يعرض نفسه عليه فيهرب منه، أو يقعد عن الاستجابة له، فالحياة في هذه الحال هي التي تختار له واختيارها أصدق اختيار؛ لأنه إلهام الله وصوت القضاء، وصدى ما جرى به القلم في أم الكتاب، ولأمر ما نزل القرآن الكريم منجمًا على حسب الحوادث ومقتضيات الأحوال.
وطبيعي أن الموضوعات التي يوحيها محيط الزراع غير التي يوحيها محيط الطبقات المظلومة من العمال، وللطلاب آلام وآمال، تلهم موضوعات غير التي تجري في المحيطين السابقين، وللصغار الموظفين مشكلات وأزمات نفسية ومالية لا يتبينها إلا من يصغي إلى شكواهم، ويقف على أحوالهم، وفي علاقات الناس بعضهم ببعض، وفي المعاملات التي يلقاها بعض الطوائف من بعض، وفي طبيعة السلوك الاجتماعي الذي تجري عليه حياة بعض الطوائف أو الطبقات، وفي اختلال الموازين التي يزن بها الناس خلق الرجل وشخصيته ونجاحه، وفي نظام الدواوين والتعليم والمحيط التجاري والإداري والسياسي؛ في هذا وفي غيره موضوعاتٌ الداعية في غِنًى عن بيانها؛ لأنها شاخصة مستعلنة تفرض نفسها وحوادثها على المحاضر.
ثانيًا: يجب أن يكون الموضوع مدروسًا دراسة وافية مستفيضة، محللًا إلى عناصر بارزة، وخطوات واضحة، مرتبة ترتيبًا طبيعيًّا ينتقل بالسامع من حلقة إلى حلقة، ويفضي في النهاية إلى خاتمة يحسن السكوت عليها، فإذا كنت أيها الداعية المحاضِر تريد التحدث إلى طائفة من الشباب المثقف -مثلًا- عن مقومات الإنسان الفاضل، الذي ينشدونه وينشده معه المسلمون، كان من السهل عليك أن