اسم الکتاب : الوحي المحمدي المؤلف : رشيد رضا، محمد الجزء : 1 صفحة : 161
ولكن ما جرى للفقير الهندى مخالف لسنّة الحياة العامة فى الناس، فإذا ثبت أنه وقع بطريقة كسبية من طريق رياضة هؤلاء الصوفية لأبدانهم وأنفسهم بما تبقى به الحياة كامنة فى أجسادهم مثل هذه المدة الطويلة مع انتفاء أسبابها العامة فى أحوال الناس الاعتيادية من دورة الدم والنفس وغير ذلك، فلا وجه لاتخاذ أحد من العقلاء إنكار كل ما يخالف السّنن العامة قاعدة عامة، ولا سيما فعل الخالق عزّ وجلّ لها وهو خالق كلّ شىء بقدرته، وواضع نظام السّنن والأسباب بمشيئته، وأكثر منكرى الخوارق يؤمنون به، وإنما ينكرون وقوع شىء مخالف لسننه بأنه مناف لحكمته، ومن ذا الذى أحاط بحكمه أو بسننه علما؟
وإنما الذى يقضى به العقل أن لا نصدق بوقوع شىء على خلاف السّنن الثابتة المطردة فى نظام الأسباب العامة إلا إذا ثبت ثبوتا قطعيا لا يحتمل التأويل، وهذا هو المعتمد عند المحقّقين من المسلمين وعلماء المادة وعلماء النفس وغيرهم، وقد ثبت فى هذا العصر من خواص الكهرباء وغيرها ما لو قيل لعقلاء الناس وحكمائهم قبل ثبوته بالفعل إنه من الممكنات، لحكموا على مدعى مكانه بالجنون لا بتصديق الخرافات كما قلنا من قبل [1].
المعجزات قسمان: تكوينية، وروحانية تشبه الكسبية
المعجزات كلّها من الله تعالى لا من كسب الأنبياء كما نطق به القرآن الكريم، ولكنها بحسب مظهرها قسمان: قسم لا يعرف له سنة إلهية يجرى عليها فهو يشبه الأحكام الاستثنائية فى قوانين الحكومات، وأما ما يكون بإرادة سنية من الملوك لمصلحة خاصة- ولله المثل الأعلى- وقسم يقع بسنة إلهية وروحانية لا مادية.
أما المأثور من آيات الله التى أيد بها موسى (ع. م) وأثبتها القرآن له كالآيات التسع بمصر فهى من القسم الأول، ولم يكن شىء منها بكسب له حقيقى ولا صورى، وكذلك الآيات الأخرى التى ظهرت فى أثناء خروجه ببنى إسرائيل ومدة التيه، بل كل ذلك كان بفعل الله بدون سبب كسبى لموسى (ع. م) إلا ما يأمره الله تعالى به من ضرب البحر أو الحجر بعصاه التى هى آيته الكبرى. ولم ينقل عن أحد من الأنبياء آية كهذه الآيات فضلا عمّن دونهم، ولا هى مما يحتمل أن يكون بسبب من الأسباب الروحية التى
تكون لأحد من الناس بالرياضة وتوجيه الإرادة أو خواص المادة وقواها.
وأما المسيح (ع. م) فالآيات التى أيده الله تعالى بها- على كونها خارقة للعادات [1] إن الصحف قد نقلت إلينا فى هذا العام من عجائب صوفية الهند أيضا ما هو أعجب مما تقدم.
اسم الکتاب : الوحي المحمدي المؤلف : رشيد رضا، محمد الجزء : 1 صفحة : 161