اسم الکتاب : تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 301
د- تقديم العقل وتحكيمه على النصوص:
إن المدرسة العقلية وعلى رأسها المعتزلة حكمت العقل، وجعلته مصدرا أوليا للتلقي ودخلت بالعقل في غير مجاله, وركبوا مسلك أهل الكلام ودخلوا في جدل مع الفلاسفة في قضايا الإيمان، والأسماء والصفات، والغيبيات, وابتعدت الأمة عن أوامر الله، ودخلوا في مجال الترف الفكري, وتأثر كثير من العلماء بكتب اليونان وعلومهم الفلسفية، وأعرضوا عن منهج الاستدلال المستمد من الكتاب والسنة الذي سار عليه الأسلاف والأئمة الثقات, ونشأت فرق كلامية متعددة كل فرقة ترد على الأخرى وحادت عن الصراط المستقيم، ووقعت هي الأخرى في أخطاء كثيرة وجسيمة نتيجة استعمالها المنهج العقلاني نفسه في الرد على الخصوم، وعدم اعتمادها على المنهج الرباني الذي يقول الله فيه: {وَلاَ يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلاَّ جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا} [الفرقان: 33].
ولو تمسك الجميع بالكتاب والسنة وجعلوهما المصدر الوحيد للتلقي، وأعرضوا عما خالفهما، واتبعوا منهج سلف الأمة في فهم أحكام الدين، أصوله وفروعه، لما حصل الذي حصل، ولكن ما وقعوا فيه كان نتيجة حتمية لتحكيم العقل في مجال غير المجال
الذي خلق له.
يقول الشاطبي: (إن الله جعل للعقول في إدراكها حدا تنتهي إليه لا تتعداه، ولم يجعل لها سبيلاً إلى الإدراك في كل مطلوب) [1].
إن العاقل اللبيب هو الذي يعرف حقيقة ما أنعم الله عليه من نعمة العقل فلا يدخله في مسالك ودروب لم يخلق لها، وإنما يستعمل عقله في عمارة الأرض والكون والحياة، ويتأمل ويتدبر في كتاب الله وسنة رسوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - , وينتهج منهج القرآن في معرفة حقيقة العقل، ومكانته ودوره فلا يتقدم على أحكام الشرع أبدا، بل ينقاد إليها انقيادا حكيما رزينا مسترشدا بنور الوحي الذي يحرر العقل من [1] الاعتصام (2/ 318).
اسم الکتاب : تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 301