اسم الکتاب : تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 155
ج- فقه سليمان عليه السلام في إدارة الدولة:
إن القصص القرآني في سيرة سليمان عليه السلام أشار إلى أساليبه في إدارة الدولة والمحافظة على التمكين, وأهم هذا الفقه يظهر في النقاط الآتية:
1 - دوام المباشرة لأحوال الرعية, وتفقد أمورها, والتماس الإحاطة بجوانب الخلل في أفرادها وجماعاتها, فهذا كان حال سليمان عليه السلام: {وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ} [النمل:20] وذلك بحسب ما تقتضيه العناية بأمور الملك, والاهتمام بكل جزء فيه والرعاية بكل واحدة فيها وخاصة الضعفاء [1].
ولا شك أن القيادة تحتاج إلى لجان ومؤسسات وأجهزة حتى تستطيع أن تقوم بهذه المهمة العظيمة, إن سليمان عليه السلام كان مهتمًا بمتابعة الجند وأصحاب الأعمال وخاصة إذا رابه شيء في أحوالهم, فسليمان عليه السلام, لما لم ير الهدهد بادر بالسؤال: {مَالِيَ لاَ أَرَى الْهُدْهُدَ} [النمل:20] يعني (أهو غائب؟ كأنه يسأل عن صحة ما لاح له) [2] , ثم قال: {أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ} [النمل:20] سؤال آخر ينم عن حزم في السؤال بعد الترفق, فسليمان عليه السلام أراد أن يفهم منه أنه يسأل عن الغائب لا عن شفقة فقط ولكن عن جد وشدة, إذا لم يكن الغيب بعذر [3].
2 - لابد للدولة من قوانين حتى تضبط الأمور بحيث يعاقب المسئ, ويحسن للمحسن, ولابد من مراعاة التدرج في تقرير العقوبة, وأن تكون على قدر الخطأ وحجم الجرم, وهذا عين العدالة, ولهذا لم يقطع سليمان عليه السلام بقرار واحد في العقاب عند ثبوت الخطأ؛ بل جعله متوقفًا على حجم الخطأ: {لأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ} [النمل:21] وقد استدل أهل العلم بهذه الآية على أن العقاب على قدر الذنب, وعلى الترقي من الشدة إلى الأشد بقدر ما يحتاجه إلى إصلاح الخلل (4). [1] انظر: تفسير القرطبي (13/ 177). [2] تفسير الرازي (24/ 189). [3] (4) انظر: الحكم والتحاكم في خطاب الوحي (2/ 593).
(4)
اسم الکتاب : تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 155