اسم الکتاب : مذكرات شاهد للقرن المؤلف : مالك بن نبي الجزء : 1 صفحة : 252
المعركة الإصلاحية أو عن الحركة الوطنية. ولكن المناقشات كانت كلها تدور حول محور الإسلام، الأمر الذي جعلني أستفيد كثيراً من خبرة صديقي وسعة اطلاعه في الموضوع، لأنه قلما كان يغيب عنه أمر في الميدان الذي يُعنى به (معهد الدراسات الإسلامية) في (الصربون) ... فكان يدخلني معه في هذا الميدان بصفة مريد مبتدئ، ولكنني ربما كنت أفيده من ناحية تنسيق ومنهجية الأفكار، يساعدني على ذلك الأسلوب الرياضي الذي انطبعت به، حتى كان أحياناً هذا الأسلوب نفسه موضوع نقاش حاد بيننا، وذلك عندما ينتقد صديقي جفاف الفكر الهندسي، المناقض للأسلوب الوجداني أو البسكالي على حد تعبيره، لأنه كان فعلاً على مذهب (الغزالي) و (بسكال) في التفكير.
كان يحدث لنا إذا كان الجو مساعداً، أن أخرج معه مباشرة بعد العشاء، ويستمر النقاش بين بيتي والحي اللاتيني، على طول شارع (فوجيرار) أطول شوارع باريس، وقد خرجت ذات ليلة، أشيعه ونحن نسفه سلوك أغنيائنا الذين ينعمون بجميع أنواع النعم ويتركون إخوانهم الفقراء لجميع أنواع الشقاء.
وإذا باقتراح ينبع من صلب الحديث: لماذا لا نوجه خطاباً مفتوحاً للضمير الجزائري؟ ونقول فيه ... فكانت الكلمات تتوارد على لساني معبرة، أخّاذة، لطيفة، مشفقة، مؤثرة، راجية، عنيفة، شديدة، مقنعة ...
وأول من اقتنع كان صديقي (حموده بن الساعي) فقال:
- لماذا لا نذهب على الفور إلى مقهى نسجل فيه هذه الكلمات؟
فكنا كالدجاجة التي أخذها المخاض لتلد بيضتها. فدخلنا إلى مقهى، ولكن لما وضعنا بيضتنا على ورقة، فكأنما فقدت فكرتنا تلك الدرجة من الحرارة التي حركت مشاعر صديقي وأثرت حتى في صوتي عندما كنت أقولها.
قررنا على أية حال أن نرسل منها بعض النسخ، نسخ منها صديقي اثنتين
اسم الکتاب : مذكرات شاهد للقرن المؤلف : مالك بن نبي الجزء : 1 صفحة : 252