اسم الکتاب : مذكرات شاهد للقرن المؤلف : مالك بن نبي الجزء : 1 صفحة : 245
إن باريس تحول كل شيء إلى (تقليعة). فكان غاندي وعترته إلى جانب لعبة الـ (يويو) تقليعة الساعة.
وفي الحي اللاتيني حدث أمر، أخذ أيضاً يشغلني على حساب دراستي تلك السنة. لقد بدأ نجم (مصالي حاج) في الظهور. وفكر الزعيم في بعث منظمة (نجم شمال إفريقيا) الذي أفل بباريس منذ ذهاب الأمير خالد رحمه الله إلى الشرق، فاتصل (مصالي) بجمعية الطلبة بواسطة الدكتور (بن ميلاد) - حسبما أتذكر- وتم الاتصال بممثلى الجمعية في غرفة من فندق (الهجار) لأن صاحبه يدعي القرابة من الأمير خالد، ويتظاهر بأفكاره السياسية؛ لم يحضر صديقي (حموده بن الساعي) هذا الاجتماع بسبب تحفظه إزاء كل نشاط سياسي منظم، فتم الاتصال بين الزعيم وبعض الطلبة في تلك الغرفة، في صورة مباراة في الفصاحة تحدث خلالها البهلوان- الذي سيصبح وزير الشباب التونسي- عن سقراط وأرسطو، وأبرز من خلالها كل منا ما عنده من ذخيرة ...
ثم اتفقنا مع الزعيم على موعد آخر في غرفة أحد مريديه، وهو بقال بشارع (سان جاك)، اجتمعنا بين سرير النوم وكوم بطاطس وميزان البيع، لنقرر مصير (نجم شمال إفريقيا) المزمع بعثه بأكثر ما يمكن من الأبهة والإعلان حسب رغبة (مصالي حاج)، ولم أكن أعلم أن هذه الرغبة السامية كانت العرض للمرض الجديد الذي سيجتاح الجزائر، والذي سيبدد كل طاقاتها في الظهور والتظاهر والمظاهرات كأنما لم يكن، في نظر (الزعيم) سوى هذا الوجه من النشاط السياسي الذي استولى على الوطن طيلة ربع قرن.
وللقائل الحق أن يقول إن المرض الجديد كان من بعض جوانبه شفاء، إذا قدرنا أن الجزائر خرجت من العدم لتدخل في عهد التظاهر، بالإضافة إلى أن المظاهرات الصاخبة وما تخللها من حملات انتخابية تشرف عليها الإدارة الاستعمارية، كان لها الفضل على أية حال في توعية الشعب الجزائري إزاء بعض
اسم الکتاب : مذكرات شاهد للقرن المؤلف : مالك بن نبي الجزء : 1 صفحة : 245