اسم الکتاب : مذكرات شاهد للقرن المؤلف : مالك بن نبي الجزء : 1 صفحة : 242
إنني أستعيد في ذاكرتي، بعد أربعين سنة هذه الصورة، فالحقيقة أنني أخجل من هذا السلوك، وأرى كم كانت السمكة المفترسة الصغيرة لا تشعر بالخطورة ولا حتى باللياقة.
وقبل كل شيء، لم أكن أشعر ذلك اليوم أنه في تلك اللحظة، كانت تنطق الموجة الأولى من العاصفة الهوجاء التي ستجتاح مصير أسرتي ومصيري، فتحطمت رخوة لينة بفتور على شفتي (مسينيون) الذي اصطحبني إلى الباب يودعني بكلمات لطيفة.
ونقل والدي من منصبه إلى غيره وبهذا لا تستطيع والدتي المريضة أن تلحق به، وكان الأمر مبيتاً على ذلك من طرف رئيسه، مما اضطر معه والدي إلى طلب إجازة بقي فيها إلى يومنا هذا، وهو عجوز تجاوز الثمانين من العمر إذ ضاعت حقوقه كلها بوصفه موظفاً.
كنت أتأثر من هذه المحن التي بدأت تنصب على أهلي بسببي، دون أن أغير سلوكي بسببها، بل كانت الأحداث نفسها تزيدني تصلباً وتحدياً في نظر الإدارة الاستعمارية، التي بدأت في ذلك الشهر بالذات شهر شباط (فبراير) عام 1932، تولي اهتامها في الأوساط الطلابية بصدى حدث وقع بعاصة الجزائر حيث أمر الحاكم بمنع أي نشاط لجمعية العلماء في مساجد الوطن.
استأجرت في هذه الأثناء غرفة مفروشة، في شقة أيِّم قرب باب فرساي وانتقلت إليها مع زوجي، وإذا بطرد منشورات يأتيني من الجزائر أرسله لي (رونيه جوجلاري)، ذلك الفرنسي الذي اعتنق الإسلام واتخذ لقب (محمد الشريف).
لقد تعوّد الرجل أيام شبابه بباريس، أن يوزع على الطلبة في الحي اللاتيني منشورات (شارلس موراس) زعيم الحزب الملكي الفرنسي، فهو الآن
اسم الکتاب : مذكرات شاهد للقرن المؤلف : مالك بن نبي الجزء : 1 صفحة : 242