اسم الکتاب : مذكرات شاهد للقرن المؤلف : مالك بن نبي الجزء : 1 صفحة : 238
الموضوع مستنداً إلى تاريخ الشمال الإفريقي. وما كان فريق (الواقعيين) ليترك فرصة كهذه تمر دون رد فعل، فعندما انتهيت انطلق فعلاً صوت يقول:
- لماذا تلتفت للماضي، في الوقت الذي يهمنا فيه المستقبل؟ ..
لم تكن هذه السماجات نادرة في وسطهم، فهي إلى اليوم من تراثهم تتكرر على ألسنتهم أو تحت أقلامهم، غير أن الظرف لم يدع مجالاً للسكوت عن السماجة هذه المرة، فأطقت ناراً على (الواقعيين) مرتجلاً كلامي، لا يهمني أتبادل (عمار نارون) و (كسوس) نظر المتواطئين بينهما أم لا، وإنما استرسلت كأنما ريح عاصفة تدفعني وروح تمدني بالكلمات، وأعتقد أنني حلقت في سماء المنطق الغلاب والشعر الخلاب، أتذكر إلى اليوم من بين ما قلت هذه الكلمات:
- إن الروح تصنع المادة! ..
ولا أدري إذا كنت فهمت في تلك اللحظة الوجدانية، ما قلته كما أفهمه اليوم، وإنما أتدكر أن عيني (حموده بن الساعي) كانت تبرقان وتقعان كالصاعقة على (الواقعيين) في كل جملة أقولها.
فسادت في الجو وفي القاعة لحظات ملهمة لا أستطيع تصويرها، ولما انتهيت رأيت (صالح بن يوسف) يحتضنني قائلاً:
- إنني أقبلك لا من أجل محاضرتك، ولكن لتعقيبك المرتجل عليها.
هل كان هذا الطالب التونسي هو الآخر من المثاليين؟ إنني أطرح السؤال بعد أربعين سنة، لأنني رأيته بعد سنوات قد أصبح (واقعياً).
إن الحلبة السياسية قد حققت فعلاً، في البلاد الإسلامية معجزات من المسخ! ومهما يكن الأمر في ذلك المساء فإن (الواقعيين) لم يكونوا عندما خرجنا من المحاضرة، ليجرؤوا على مبادلتنا النظر.
اسم الکتاب : مذكرات شاهد للقرن المؤلف : مالك بن نبي الجزء : 1 صفحة : 238