اسم الکتاب : مذكرات شاهد للقرن المؤلف : مالك بن نبي الجزء : 1 صفحة : 212
ذلك الرجل هو السيد (هنري نازيل) الذي يدير مع زوجه اللطيفة روحياً ومادياً شؤون (جمهورية تريفيز).
أجل لم تتكون لي بعد علاقة صداقة في الوسط الجديد، لقد كان الأمر بادياً للأنظار، فقد كان الجزائري- في تلك الحقبة- بمجرد دخوله وسطاً أوربياً، ينزوي في قوقعته، وذلك بسبب أفكاره المسبقة عن الآخرين وأفكار الآخرين المسبقة عنه. وتاريخ قوقعتي بدأ ذلك اليوم البعيد من أيام طفولتي، فبينما كنت ألعب على رصيف بمدينة تبسة إذ أصابني رجل أوربي بركلة، ولكن بقدر ما كان (نازيل) يتكلم معي كان يظهر رأسي تدريجياً من القوقعة كالسلحفاة عندما يمر الخطر، وذهب (نازيل) إلى شأنه، واعداً بأن يأتيني برفقائه في الغد.
كانت الفترة التي قضيتها بباريس منذ وصولي إلى يوم امتحان (معهد الدراسات الشرقية) على وشك الانتهاء. وبقي الخريف ينشر على الأرصفة الباريسية أوراق الشجر الأخيرة. وأصبحت وجهاً مألوفاً في الحي الذي أسكنه، لا تخاطبني بناته بسوء، ولا أوجه لهن النظر الشزر عندما أخرج من الفندق. ولعل الفضل في هذا الانسجام مع الوسط الجديد يعود إلى روح (الوحدة) الذي بدأ يطبع سلكوي الاجتماعي.
وعرّفني (نازيل) فعلاً كما وعد وفي الوقت المحدد، على بعض (الوحدويين) الذين أصبحوا أعز أصدقائي، وغدونا لا نتفارق فكونت مجموعتنا في نظر الآخرين ما أسموه (المجموعة).
لقد كانت المجموعة ذات تركيب متنوع وذات عروق متباينة، كان (حنوز) شاباً جزائرياً من عرق بربري، اعتنق المسيحية وهو طفل يرتع مع أقرانه في جبال القبائل؛ وكان (مرسولين) من ناحية نرمندية، جريئاً لبقاً مثل أهل عرقه، قد عاش يتيهأ صغيراً في مسقط رأسه قبل أن ينزح إلى باريس،
اسم الکتاب : مذكرات شاهد للقرن المؤلف : مالك بن نبي الجزء : 1 صفحة : 212