اسم الکتاب : مذكرات شاهد للقرن المؤلف : مالك بن نبي الجزء : 1 صفحة : 211
الوافدين على المطعم المزدحم تلك الساعة، ووجدنا في الدور الثالث عمال المطعم يُعدون قاعة الأكل التي يتوالى فيها كل يوم الوافدون للطعام فوجاً بعد فوج.
وكان لهذه الجمهورية المصغَّرة، جمهورية (تريفيز) كما يقول أعضاؤها، نشاط ثقافي مستر تدور بعض فعالياته في قاعة محاضرات إضافية في الدور الثاني خلال المناسبات العادية، وتخصص القاعة الكبرى المناسبات الثقافية الخاصة التي تترك أثرها البليغ في تاريخ الجمهورية، أو لطقوس الحياة الروحية مساء كل أحد.
وكان دليلي البشوش يشرح لي كل هذه التفاصيل، كما يُلَقَّن الوارد على شيخه عندما يعطيه سر الورد لأول مرة.
والآن بعد أربعين سنة أرى بكل وضوح أن الريح التي دفعتني في شهر أيلول (سبتمبر) 1930، لم تكن تدفعني لمغامرة في أفق بعيد، ولا إلى مرتبة اجتماعية تحققها لي شهادة (معهد الدراسات الشرقية)، إنما كانت تدفعني إلى هذا المكان الذي تكامل فيه تكويني الروحي، ولا بد من القول للحقيقة إن ضميري تفتح فيه إلى كل المشكلات التي شغلت حياتي حتى هذه الساعة.
وبدأت صفحة حياتي الجديدة في اليوم نفسه، فقد تناولت وجبة الغداء على مائدة لا يعرفني أحد ممن حولها من شبان (الوحدة)، وتناولت القهوة بقاعة التدخين بين مدخنين لا أعرف منهم أحداً.
ولكن في هذا الوسط لا تغيب شاردة ولا نادرة عن ملاحظة المسؤولين. وفي اليوم الثاني وربما في اليوم الثالث، بينما أتناول قهوتي بعد الغداء، إذا برجل شاب يقف إلى جانبي مبتسماً:
- أراك منعزلاً أليس لك بعد أصدقاء؟
اسم الکتاب : مذكرات شاهد للقرن المؤلف : مالك بن نبي الجزء : 1 صفحة : 211