اسم الکتاب : مفرق الطريق في القرآن الكريم المؤلف : الشحود، علي بن نايف الجزء : 1 صفحة : 299
هو الدينونة للّه وحده، ما دام أنه لا إله غيره. فالإله هو الذي يستحق أن يكون ربا - أي حاكما وسيدا ومتصرفا ومشرعا وموجها - وقيام الحياة البشرية على هذه القاعدة يجعلها تختلف اختلافا جوهريا عن كل حياة تقوم على قاعدة ربوبية العباد للعباد - أي حاكمية العباد للعباد ودينونة العباد للعباد - وهو اختلاف يتناول الاعتقاد والتصور، ويتناول الشعائر والمناسك كما يتناول الأخلاق والسلوك، والقيم والموازين وكما يتناول الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وكل جانب من جوانب الحياة الفردية والجماعية على السواء.
إن الاعتقاد بالألوهية الواحدة قاعدة لمنهج حياة متكامل وليس مجرد عقيدة مستكنة في الضمائر. وحدود العقيدة أبعد كثيرا من مجرد الاعتقاد الساكن .. إن حدود العقيدة تتسع وتترامى حتى تتناول كل جانب من جوانب الحياة .. وقضية الحاكمية بكل فروعها في الإسلام هي قضية عقيدة. كما أن قضية الأخلاق بجملتها هي قضية عقيدة. فمن العقيدة ينبثق منهج الحياة الذي يشتمل الأخلاق والقيم كما يشتمل الأوضاع والشرائع سواء بسواء ..
ونحن لا ندرك مرامي هذا القرآن قبل أن ندرك حدود العقيدة في هذا الدين، وقبل أن ندرك مدلولات: «شهادة أن لا إله إلا اللّه وأن محمدا رسول اللّه» على هذا المستوى الواسع البعيد الآماد. وقبل أن نفهم مدلول: العبادة للّه وحده ونحدده بأنه الدينونة للّه وحده لا في لحظات الصلاة، ولكن في كل شأن من شؤون الحياة!
إن عبادة الأصنام التي دعا إبراهيم - عليه السلام - ربه أن يجنبه هو وبنيه إياها، لا تتمثل فقط في تلك الصورة الساذجة التي كان يزاولها العرب في جاهليتهم، أو التي كانت تزاولها شتى الوثنيات في صور شتى، مجسمة في أحجار أو أشجار، أو حيوان أو طير، أو نجم أو نار، أو أرواح أو أشباح.
إن هذه الصور الساذجة كلها لا تستغرق كل صور الشرك باللّه، ولا تستغرق كل صور العبادة للأصنام من دون اللّه. والوقوف بمدلول الشرك عند هذه الصور الساذجة يمنعنا من رؤية صور الشرك الأخرى التي لا نهاية لها ويمنعنا من الرؤية الصحيحة لحقيقة ما
اسم الکتاب : مفرق الطريق في القرآن الكريم المؤلف : الشحود، علي بن نايف الجزء : 1 صفحة : 299