فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً وكنتم على شفا حفرةٍ من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون} (آل عمران: 103).
كما وصف الله كتابه الأخير - القرآن العظيم - بالرحمة والشفاء بقوله: {يا أيها الناس قد جاءتكم موعظةٌ من ربكم وشفاءٌ لما في الصدور وهدىً ورحمةٌ للمؤمنين} (يونس: 57)، وأكد عليه بقوله: {هذا بصائر للناس وهدىً ورحمةٌ لقومٍ يوقنون} (الجاثية:20).
والرحمة كما هي صفة الله ونبيه وكتابه؛ فإنها صفة لازمة للمؤمنين أيضاً، فالله الرحيم يرحم الرحماء من عباده، و ((من لا يرحم الناس لا يرحمه الله)) [1]، والمتواصون بهذا الخلق العظيم هم أهل السعادة يوم القيامة {ثم كان من الذين آمنوا وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة - أولئك أصحاب الميمنة} (البلد: 17 - 18).
وقد أمر - صلى الله عليه وسلم - المسلمين أن يتصفوا بصفة الرحمة، في تعاملهم فيما بينهم ومع غيرهم، بل وحتى مع الحيوان، فقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((من لا يرحم الناس)) [2]، لفظ عام يشمل كل أحد، دون تمييز لجنس أو لون أو دين.
ومن صور الرحمة لغير المسلمين التصدق على مسكينهم، فقد روى أبو عبيد أن بعض المسلمين كان لهم أنسباء وقرابة من قريظة والنضير، وكانوا يتقون أن يتصدقوا عليهم، يريدوهم أن يسلموا، فنزلت: {ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء وما تنفقوا من خير فلأنفسكم} (البقرة: 272). (3)
وتمتد الرحمة لتشمل المحاربين الذين وقعوا في أسر المسلمين، يقول أبو رزين: كنت مع سفيان بن سلمة، فمر عليه أسارى من المشركين، فأمرني أن أتصدق [1] أخرجه البخاري ح (7376)، ومسلم ح (2319). [2] أخرجه البخاري ح (7376).
(3) أخرجه أبو عبيد في الأموال ح (1321)، وابن زنجويه في الأموال ح (1862) وصححه الألباني في تمام المنَّة (1/ 389).