اسم الکتاب : الاستعداد للموت المؤلف : الشحود، علي بن نايف الجزء : 1 صفحة : 55
. إنه الآن يستطيع أن يتصدق .. وإنه إن يتصدق يكن من الصالحين، الذين يفوزون برضا اللّه ورضوانه .. ولهذا يخرج من باب الأمانىّ، ليدخل فى باب العرض والطلب .. إن تؤخرني إلى أجل قريب أكن من الصالحين .. ولكن هذه الفرحة سرعان ما تختفى، وتغرب شمسها من نفسه، إذ يجىء قوله تعالى: «وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذا جاءَ أَجَلُها» فيردّه هذا إلى مواجهة الموت، الذي خيّل إليه أنه فرّ من بين يديه! إنه حلم لحظة، فى صحوة الموت أو غيبوبته، سرعان ما يذهب كما تذهب الأحلام ..
وتحرير معنى الآية ـ على هذا المفهوم الذي فهمناها عليه، هو: هلّا أخرتنى إلى أجل قريب فأصدق .. وإن أصدق أكن من الصالحين، الناجين، من هذا الهول العظيم. الذي يطلّ بوجهه من قريب. (1)
" والأموال والأولاد ملهاة ومشغلة إذا لم يستيقظ القلب، ويدرك غاية وجوده، ويشعر أن له هدفا أعلى يليق بالمخلوق الذي نفخ اللّه فيه من روحه، فأودع روحه الشوق إلى تحقيق بعض صفاته الإلهية في حدود طاقته البشرية. وقد منحه الأموال والأولاد ليقوم بالخلافة في الأرض لا لتلهيه عن ذكر اللّه والاتصال بالمصدر الذي تلقى منه ما هو به إنسان. ومن يغفل عن الاتصال بذلك المصدر، ويلهه عن ذكر اللّه ليتم له هذا الاتصال «فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ» .. وأول ما يخسرونه هو هذه السمة. سمة الإنسان. فهي موقوفة على الاتصال بالمصدر الذي صار به الإنسان إنسانا. ومن يخسر نفسه فقد خسر كل شيء. مهما يملك من مال ومن أولاد.
ويلمسهم في موضوع الإنفاق لمسات متنوعة في آية واحدة .. «وَأَنْفِقُوا مِنْ ما رَزَقْناكُمْ» .. فيذكرهم بمصدر هذا الرزق الذي في أيديهم. فهو من عند اللّه الذي آمنوا به والذي يأمرهم بالإنفاق. «مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ ... » .. فيترك كل شيء وراءه لغيره وينظر فلا يجد أنه قدم شيئا لنفسه، وهذا أحمق الحمق وأخسر الخسران.
ثم يرجو حينئذ ويتمنى أن لو كان قد أمهل ليتصدق وليكون من الصالحين! وأنى له هذا؟: «وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذا جاءَ أَجَلُها»؟ وأنى له ما يتقدم به؟ «وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ»؟
(1) - التفسير القرآني للقرآن ـ موافقا للمطبوع - (14/ 966)
اسم الکتاب : الاستعداد للموت المؤلف : الشحود، علي بن نايف الجزء : 1 صفحة : 55