اسم الکتاب : الاستعداد للموت المؤلف : الشحود، علي بن نايف الجزء : 1 صفحة : 54
هيهات! «فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ» (34: الأعراف) وقوله تعالى: «فأصدق» منصوب بأن المضمرة بعد فاء السببية، الواقعة بعد الطلب، وهو الرجاء المفهوم من قوله تعالى: «لَوْ لا أَخَّرْتَنِي إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ؟ فَأَصَّدَّقَ» .. فلولا هنا بمعنى «هلا».وأصدق: أصله أتصدق، قلبت التاء صادا، وأدغمت فى الصاد ..
وأما قوله تعالى: «وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ» فهو مجزوم، لأنه واقع فى حيّز جواب الشرط، المفهوم كذلك من قوله تعالى «لَوْ لا أَخَّرْتَنِي إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ» فهو بمعنى «لَوْ لا أَخَّرْتَنِي إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ، وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ»! ..
وهذا الأسلوب من النظم لا يكون فى غير القرآن، ونظمه المعجز، الذي يملك بسلطانه التصريف فى الكلمات، كما يملك سبحانه وتعالى بقدرته التصريف فى كل شىء .. فلقد تسلط أسلوب الطلب: «لَوْ لا أَخَّرْتَنِي إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ» تسلط على الفعلين: أصدق، وأكون .. جاعلا الفعل الأول مسببا عنه، وجاعلا الفعل الثاني جوابا له .. والسؤال هنا: ما الحكمة من مجىء النظم فى الآية على هذا الأسلوب؟
ولما ذا لم يجىء الفعلان الواقعان فى حيز الطلب، منصوبين معا، أو مجزومين معا؟
وما سر هذه التفرقة بين الفعلين، فيكون أحدهما مسبّبا، على حين يكون الآخر جوابا؟
نقول ـ واللّه أعلم ـ: إن هذا الاختلاف بين الفعلين، هو اختلاف فى أحوال النفس، وتنقلها من حال إلى حال، فى هذا الموقف المشحون بالانفعالات والأزمات ..
فالموت حين يحضر هذا الإنسان الذي يدافع الأيام بالتسويف والمماطلة فى الرجوع إلى اللّه، وعمل الصالحات ـ هذا الموت المطل على هذا الإنسان، يردّه إلى صوابه، ويوقظه من غفلته، ولكن ذلك يكون بعد فوات الأوان، وقد بلغت الروح الحلقوم، فلا يجد هذا الإنسان بين يديه إلا الأمانىّ، وإلا الرجاء فيقول: «رَبِّ لَوْ لا أَخَّرْتَنِي إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ!».
. إن ذلك هو أقصى أمانيه، وهو غاية مطلوبه .. ثم يخيل إليه من لهفته، وشدة حرصه على هذا المطلوب، أنه ـ وقد تمناه ـ أصبح دانيا قريبا، وأنه قد استجيب له فعلا، وأن يد الموت قد تراخت عنه قليلا إلى أجل .. وهنا ينطلق مع هذا الأمل فرحا مستبشرا
اسم الکتاب : الاستعداد للموت المؤلف : الشحود، علي بن نايف الجزء : 1 صفحة : 54