قال عبد الواحد بن زيد للحسن البصريّ- وكلاهما من التابعين-:
"يا أبا سعيد، أخبرني عن رجل لم يشهد فتنة ابن المهلب بن أبي صفرة [1] إلَّا أنه عاون بلسانه، ورضي بقلبه"، فقال الحسن: "يابن أخي كم يد عقرت الناقة؟ "، قلت: "يد واحدة" قال: "أليس قد هلك القوم جميعًا برضاهم وتماليهم؟ " [2].
ولعل النزعة الخارجية التي تُطل برأسها من وقت إلى آخر لتبعث الحياة في فِكْر الخوارج الأولين وسلوكهم هي المسئولة عن كثير من التعديات على الحرمات، فقد قال- صلى الله عليه وسلم - في شأن الخوارج: "يقتلون أهل الإِسلام، ويَدَعون أهل الأوثان" [3]، وهذه العلامة هي التي جعلت أحد العلماء، وقد وقع مرة في يد بعض الخوارج، فسألوه عن هُويته، فقال: "مشرك مستجير، يريد أن يسمع كلام الله"، وهنا قالوا له: "حقٌّ علينا أن نجيرك، ونُبْلِغَكَ مأمنك"، وتلوا قول الله تعالى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ} [التوبة: 6]، بهذه الكلمات نجا "مشرك مستجير"، ولو قال لهم: "مسلم" لقطعوا رأسه [4]. [1] وكان قد إنشقً عن الدولة الإِسلامية معتمدًا على وجاهة أبيه، وكان أبوه - رحمه الله تعالى- مبيدًا للخوارج.
(2) "الزهد" للإمام أحمد ص (289). [3] رواه الإِمام أحمد (3/ 68)، والبخاري رقم (7432) (13/ 415)، ومسلم، وأبو داود، والنسائي. [4] وانظر صورًا مماثلة من تهور الخوارج وانتهاكهم حرمات المسلمين مع تورعهم مع الكافرين في "تلبيس إبليس" لابن الجوزي ص (128، 129).