اسم الکتاب : حياة السلف بين القول والعمل المؤلف : الطيار، أحمد الجزء : 1 صفحة : 567
فإذا هي قائمةٌ مِن خلفِه في طُوله، ثم أخَذَ بيدِها فدفعها في الباب، وردَّ الباب، فسقطت المرأةُ مِنَ الحياء، فاستوثقتُ مِنَ الباب ثم وضعتُ القصعة في ظِلِّ السراج لكي لا تراه، ثم صعدتُ إلى السطح فرمَيتُ الجيران، فجاؤوني فقالوا: ما شأنك؟ فأخبرتُهم. ونزلوا إليها، وبلَغَ أُمِّي، فجاءت وقالت: وجهي مِن وجهكَ حرامٌ إن مَسِسْتَها قَبْلَ أن أصلِحَها إلى ثلاثة أيام، فأقمتُ ثلاثًا ثم دخلتُ بها، فإذا هي من أجملِ الناس، وأحفظِ الناسِ لكتابِ الله، وأعلمِهِم بسنَّةِ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأعرفهم بحقِّ زوج. فمكثتُ شهرًا لاَ آتي سعيدَ بن المسيِّب. ثم أتيتُه وهو في حَلقَتِه، فسلمْتُ، فردَّ عليَّ السلام ولم يُكَلِّمْني حتَّى تقوَّض المجلس، فلما لم يبْقَ غيري. قال: ما حالُ الإنسان؟ قلتُ: خيرٌ يا أبا محمد، على ما يُحِبُّ الصديق، ويكرَهُ العدوُّ. قال: إن رابَكَ شيءٌ فالعَصَا. فانصرفتُ إلى منزلي، فوجَّه إليَّ بعشرين ألف درهم. [السير (تهذيبه) [1]/ 485].
* وعن سفيان الثوري أنه قال: كان زبيد اليامي رحمه الله إذا كانت ليلة مطيرة أخذ شعلة من النار فطاف على عجائز الحي فقال: أَوَكَفَ [1] عليكم بيت؟، أتريدون نارًا؟، فإذا أصبح طاف على عجائز الحي: ألكم في السوق حاجة أو تريدون شيئًا؟ [المنتظم 7/ 222].
* وعن وهب بن منبه رحمه الله قال: اتخذوا اليد عند المساكين، فإن لهم يوم القيامة دولة. (2)
[الحلية (تهذيبه) [2]/ 52]. [1] كَف البيتُ: هَطَل وقطَر، وكذلك السطْح، ومصدره الوَكِيف والوَكْف. لسان العرب , مادة: وَكَفَ. [2] هذا لا يصح عن وهب رحمه الله؛ في سنده: أصرم بن حوشب الهمداني , قال في الإرشاد في معرفة علماء الحديث للخليلي: روى عنه الأئمة وذكروا ضعفه وتركوه.
وقال في الضعفاء الكبير للعقيلي: حدثني آدم قال: سمعت البخاري قال: أصرم بن حوشب متروك الحديث.
وقال في مجمع الزوائد: متروك الحديث.
وقال في كنز العمال: كذاب.
وقد شنع شيخ الإسلام ابن تيمية على من قال هذه المقولة؛ فقال رحمه الله: وأما الحديث الآخر وهو قوله: (اتخذوا مع الفقراء أيادي فإن لهم دولة وأي دولة!) فهذا - أيضًا - كذب، ما رواه أحد من الناس، والإحسان إلى الفقراء الذين ذكرهم الله في القرآن، قال الله فيهم: {إِن تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاء فَهُوَ خَيْرٌ لُّكُمْ} إلى قوله: {لِلْفُقَرَاء الَّذِينَ أُحصِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ} [البقرة: 271 - 273]، وأهل الفيء وهم الفقراء المجاهدون الذين قال الله فيهم: {لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ} الآية [الحشر: 8]. والمحسن إليهم وإلى غيرهم عليه أن يبتغي بذلك وجه الله، ولا يطلب من مخلوق لا في الدنيا ولا في الآخرة، كما قال تعالى: {وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى وَمَا لِأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَى إِلَّا ابْتِغَاء وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى وَلَسَوْفَ يَرْضَى} [الليل: 17 - 21]، وقال: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ} الآية [الإنسان: 8، 9].
ومن طلب من الفقراء الدعاء أو الثناء خرج من هذه الآية؛ فإن في الحديث الذي في سنن أبي داود (من أسدى إليكم معروفًا فكافئوه فإن لم تجدوا ما تكافئوه فادعوا له، حتى تعلموا أنكم قد كافأتموه)؛ ولهذا كانت عائشة إذا أرسلت إلى قوم بهدية تقول للمرسول: اسمع ما دعوا به لنا؛ حتى ندعو لهم بمثل ما دعوا، ويبقى أجرنا على الله.
وقال بعض السلف: إذا أعطيت المسكين، فقال: بارك الله عليك. فقل: بارك الله عليك. أراد أنه إذا أثابك بالدعاء فادع له بمثل ذلك الدعاء، حتى لا تكون اعتضت منه شيئًا. هذا والعطاء لم يطلب منهم. وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (ما نفعني مال كمال أبي بكر) أنفقه يبتغى به وجه الله، كما أخبر الله عنه، لا يطلب الجزاء من مخلوق لا نبي ولا غيره، لا بدعاء ولا شفاعة.
وقول القائل: لهم في الآخرة دولة وأي دولة!، فهذا كذب، بل الدولة لمن كان مؤمنًا تقيًا, فقيرًا كان أو غنيًا، وقال تعالى: {إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ} ... [الانفطار: 13، 14]، وقال تعالى: {أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ} [ص: 28] ونظير هذا في القرآن كثير.
ومع هذا فالمؤمنون - الأنبياء وسائر الأولياء - لا يشفعون لأحد إلا بإذن الله، كما قال تعالى: {مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ} [البقرة: 255]، وقال: {وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى} [الأنبياء: 28]، وقال تعالى: {وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ} [الانفطار: 19] , فمن أحسن إلى مخلوق يرجو أن ذلك المخلوق يجزيه يوم القيامة كان من الأخسرين أعمالًا، الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعًا، بل إنما يجزي على الأعمال يومئذ الواحد القهار، الذي إليه الإياب والحساب، الذي لا يظلم مثقال ذرة، وإن تكن حسنة يضاعفها، ويؤت من لدنه أجرًا عظيمًا. ولا يقبل من العمل إلا ما أريد به وجهه. مجموع الفتاوى 11/ 54، 55
اسم الکتاب : حياة السلف بين القول والعمل المؤلف : الطيار، أحمد الجزء : 1 صفحة : 567