اسم الکتاب : دليل الواعظ إلى أدلة المواعظ المؤلف : شحاتة صقر الجزء : 1 صفحة : 608
أما في حالة إبراهيم - عليه السلام - هو مأمور أن يقتله بنفسه وأيضًا بالذبح، وهو بجانبه مباشرة؛ فسبحان الله بلاء مبين لأن سيدنا إبراهيم - عليه السلام - لم يكن في قلبه شيء لغير الله، فحب الولد حب عظيم وكثير من الناس يأكل الحرام ويتعامل بالربا لكي يبني للأولاد مستقبلًا ـ بزعمه ـ وربما باع دينه لأجل الأولاد. فحب الولد كان الامتحان الأكيد في أن إبراهيم - عليه السلام - خالصٌ لله، سليمٌ قلبُه لله.
فماذا؟ إنه لا يتردد، ولا يخالجه إلا شعور الطاعة، ولا يخطر له إلا خاطر التسليم. نعم إنها إشارة. مجرد إشارة. وليست وحيًا صريحًا، ولا أمرًا مباشرًا. ولكنها إشارة من ربه. وهذا يكفي. هذا يكفي ليلبي ويستجيب. ودون أن يعترض. ودون أن يسأل ربه. لماذا يا ربي أذبح ابني الوحيد؟!
ولكنه لا يلبي في انزعاج، ولا يستسلم في جزع، ولا يطيع في اضطراب. كلا! إنما هو القبول والرضى والطمأنينة والهدوء. يبدو ذلك في كلماته لابنه وهو يعرض عليه الأمر الهائل في هدوء وفي اطمئنان عجيب:
{فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى} فهي كلمات المالك لأعصابه، المطمَئن للأمر الذي يواجهه، الواثق بأنه يؤدي واجبه. وهي في الوقت ذاته كلمات المؤمن، الذي لا يهوله الأمر فيؤديه، في اندفاع وعجلة ليخلص منه وينتهي، ويستريح من ثقله على أعصابه!
والأمر شاق ما في ذلك شك؛ فهو لا يطلب إليه أن يرسل بابنه الوحيد إلى معركة. ولا يطلب إليه أن يكلفه أمرًا تنتهي به حياته، إنما يطلب إليه أن يتولى هو بيده، يتولى ماذا؟ يتولى ذبحه. وهو مع هذا يتلقى الأمر هذا التلقي، ويعرض على ابنه هذا العرض؛ ويطلب إليه أن يتروى في أمره، وأن يرى فيه رأيه!
إنه لا يأخذ ابنه على غرة لينفذ إشارة ربه وينتهي.
إنما يعرض الأمر عليه كالذي يعرض المألوف من الأمر. فالأمر في حسه هكذا. ربه يريد. فليكن ما يريد، وابنه ينبغي أن يعرف. وأن يأخذ الأمر طاعة وإسلامًا، لا
اسم الکتاب : دليل الواعظ إلى أدلة المواعظ المؤلف : شحاتة صقر الجزء : 1 صفحة : 608