أعالج أمرًا لا يُعين عليه إلا الله، قد فني عليه الكبير، وكبر عليه الصغير، وفصُح عليه الأعجمي، وهاجر عليه الأعرابي، حتى حسبوه دينًا لا يرون الحقَّ غيرَه"؟! من منكم -ممن يعرف قدر نفسه بلا وَكْسٍ ولا شطط- يراها أهْلًا لهذه الوظيفة المقدسة؟
من منكم "يوسف" هذه الأحلام الذي يضرب صدره في ثقة وشموخ قائلًا: "أنا لها .. أنا لها"؟ فإن كنت -عن جدارة واستحقاق- حُزْتَ "مُسَوِّغات" هذا الترشيح، فامض على بصيرة،
"ولا تلتفت إلى الوراء حتى يفتح الله عليك"، وحذار أن تغفل ولو "لحظة":
لحظةً يا صاحبي إن تغفلِ ... ألفَ ميلٍ زاد بُعْدُ المنزلِ
رام نقش الشوك حينًا رجلُ ... فاختفى عن ناظريه المحْمَلُ (1)
وزاحم بكتفيك وساعديك قوافل العظماء المجددين من السلف والخلف، ولا تؤجل فـ (ليس من تأجيل، فإن مرور الزمن ليس من صالحك، وإن الطغيان كلما طال أمده، كلما تأصَّلت في نفوس المتميعين معاني الاستخذاء، ولا بد من مبادرة تنتشل، ما دام في الذين جرفهم التيار بقية عرق ينبض، وبذرة فطرة كامنة) [2].
(1) ومناسبة هذا الشعر (أن إنسانًا كان تائهًا في مفازة يمشي على قدميه، فشهد على بعد منه محملاً أمَّل فيه أسباب النجاة، فأسرع متعجلًا يقصده حافيًا، فأصاب الشوك قدميه، فصرف بصره عن المحمل لحظة لنزع الشوكة من قدمه، فغاب عنه المحمل! ومات أمله ولبسته الحسرات) اهـ. من "رسالة المسترشدين" للمحاسبي، بتحقيق أبي غدة ص (115).
(2) "المنطلق" ص (59).