قد هيَّأوك لأمرٍ لو فطنت له ... فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهَمَل
ولا يظننَّ ظانٌّ أن حديثنا عن علو همة أسلافنا العظام يعني الانطواء في الماضي وقطع الصلة بالحاضر والمستقبل، وإلا صرنا كالترجُمان الذي يتوقف أمام الآثار ويشيد بالماضي فحسب، دون أن يقدم شيئًا للحاضر بَلْهَ المستقبل.
ولا يظننَّ ظانٌّ أننا بهذا الحديث عن علو همة السلف الصالح نرجع إلى الوراء في زمن تتسابق فيِه الأم نحو المستقبل، فإن اقتداءنا بخير أمة أخرجت للناس هو ترقّ وصعود وارتفاع إلى مستوى ذلك الجيل الفريد الذي لم تعرف البشرية له نظيرًا، وإن إبراز هذه النماذج الحية أقرب طريق إلى إيقاظ الهمم نحو إصلاح هذه الأمة التى لا يصلح آخِرها إلا بما صلح به أولها {لقد أنزلنا إليكم كتابًا فيه ذكركم أفلا تعقلون}، وباب المجد والمكرمات لم يزل مفتوحًا يرحب بكل راغب:
إذا أعجبتك خصالُ امرئٍ ... فكُنْهُ يَكُنْ منه ما يُعجبكْ
فليس لدى المجدِ والمكرُما ... تِ إذا جِئْتَها حاجبٌ يَحْجُبُكْ
فيا من يروم ولوج هذا الباب واجه الحقائق، وتبصر موقع قدمك، ولا تفزع إلى انتظار خراب العالم على أمل أن ينهض المسلمون على أنقاضه، ولا تهرب إلى افتراض حصول خوارق للسنن التي لا تحابي من لا يحترمها، قال تعالى: {إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم}، وتذكر يوم بدر حين (خرج الثلاثة من كفار قريش يطلبون المبارزة، فأخرج لهم النبي - صلى الله عليه وسلم - ثلاثة من الأنصار، فقالوا: "والله لا نطعن في أحسابهم ولا أنسابهم، ولكن أخرج لنا أكفاءنا من قريش"، فأخرج لهم عليًّا وحمزة وأبا سفيان بن الحارث، فقتلوهم،