كتاب، أو يكتب في صحيفة، فيعرف الناس من زيِّه أنه عربي فيحترمونه ويُجِلُّونه، ولم يكن الترك قد جُنُّوا الجِنَة الكبرى بعدُ ... فكانوا يعظمون العربي، لأنه من أمة الرسول الأعظم الذي اهتدوا به، وصاروا به وبقومه ناسًا ...
واتصلت أسباب الشيخ بأسباب طائفة منهم فكانوا يجلسون إليه يحدثونه، فقال له يومًا رجل منهم:
- "إن السلطان سأل دار المشيخة عن قضية حيَّرت علماءها، ولم يجدوا لها جوابًا، والسلطان يستحثهم وهم حائرون، فهل لك في أن تراها لعلَّ الله يفتح عليك بالجواب؟ "
قال: "نعم".
قال: "سر معي إلى المشيخة".
قال: "باسم الله".
ودخلوا على ناموس المشيخة (سكرتيرها)، فسأله الشيخ إسماعيل عن المسألة فرفع رأسه فقلَّب بصره فيه بازدراء، ولم تكن هيئة الشيخ بالتي تُرضِي، ثم ألقاها إليه وانصرف إلى عمله، فأخرج الشيخ نظارته فوضعها على عينه فقرأ المسألة ثم أخرج من مِنطقته هذه الدواة النحاسية الطويلة التي كان يستعملها العلماء وطلبة العلم للكتابة وللدفاع عن النفس، فاستخرج منها قصبة فبراها، وأحذ المقطع فقطعها، وجلس يكتب الجواب بخط نسخي جميل حتى سوَّد عشر صفحات ما رجع في كلمة منها إلى كتاب، ودفعها إلى الناموس، ودفع إليه عنوان منزله وذهب، فلما حملها الناموس إلى شيخ الِإسلام وقرأها، كاد يقضي دهشة وسرورًا.