نشأ الشيخ "محمد إسماعيل" الحائك عاميًّا، ولكنه محبٌّ للعلم، محب للعلماء، فكان يحضر مجالسهم، ويجلس في حلقهم للتبرك والسماع، وكان يواظب على الدرس لا يفوته الجلوس في الصف الأول، فجعل الشيخ يؤنسه، ويلطف به لما يرى من دوامه وتبكيره، ويسأل عنه إذا غاب، فشدَّ ذلك من عزمه، فاشترى الكتبَ يُحيي ليلَه في مطالعة الدرس، ويستعين على ذلك بالنابهين من الطلبة، وأستمر على ذلك دهرًا حتى أتقن علوم الآلة، وصار واحدَ زمانه في الفقه والأصول، وهو عاكف على مهنته لم يتركها؛ وصار الناس يأتونه في محلِّه يسألونه عن مشكلات المسائل، وعويصات الوقائع، فيجيبهم بما يعجز عنه فحولة العلماء، وانقطع الناس عن المفتي من آل العمادي، فساء ذلك العمادين وآلمهم، فترَّبصوا بالشيخ وأضمروا له الشرِّ، ولكنهم لم يجدوا إليه سبيلًا، فقد كان يحيا من عمله، ويحيا الناس بعلمه، وكان يمر كل يوم بدار العماديين في "القيمرية" وهو على أتانٍ [1] له بيضاء، فيسلِّم فيردون عليه السلام، فمر يومًا كما كان يمر، فوجد على الباب أخًا للمفتي، فردَّ عليه السلام، وقال له ساخرًا:
- "إلى أين يا شيخ، أذاهبٌ أنت إلى اسطنبول لتأتي بوِلاية الإفتاء؟ " وضحك وضحك من حوله، أما الشيخ فلم يزد على أن قال:
- "إن شاء الله! " وسار في طريقه حتى إذا أبتعد عنهم دار في الأزقة حتى عاد إلى داره، فودع أهله، وأعطاهم نفقتهم، وسافر!
وما زال يفارق بلدًا، ويستقبل بلدًا، حتى دخل القسطنطينية فنزل في خان قريب من دار المشيخة، وكان يجلس على الباب يطالع في [1] الأتَان: الحِمارة.