ابن عبد العزيز أن أباه ولي مصر، وهو حديث السن، يُشَكُّ في بلوغه، فأراد إخراجه، فقال: "يا أبت! أوَ غيرَ ذلك؟ لعله أن يكون أنفعَ لي ولك: تُرَحِّلني إلى المدينة، فأقعد إلى فقهاء أهلها، وأتأدب بآدابهم، فوجَّهه إلى المدينة، فاشتهر بها بالعلم والعقل مع حداثة سنه".
* وتأمل كيف اكتشف والدُ شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمهما الله نضوجه الاجتماعي المبكر، فراح ينمي ثقته بنفسه، ويصقل مواهبه، ويُعِده لتحمل المسئوليات، فقد كتب في ذلك إلى صاحبٍ له فقال رحمه الله: (تحققت أنه بلغ الاحتلام قبل إكمال سن اثنتي عشرة سنة على التمام، ورأيته أهلًا للصلاة بالجماعة والائتمام، فقدمته لمعرفته بالأحكام، وزوَّجته بعد البلوغ مباشرة، ثم طلب مني الحج إلى بيت الله الحرام، فأجبته بالاسعاف إلى ذلك المرام، فحج وقضى ركن الإسلام) [1] اهـ.
وبغير هذا "النضوج الاجتماعي المبكر" والتربية الواعية -التي تنمي الملكات، وتغرس الثقة في النفس، وتحررها من التواكل والتبعية والطفولية- لا نستطع أن نفسر ظاهرة ارتحال العلماء في سن الصبا والشباب المبكر في أقطار الدنيا طلبًا للعلم، وقد فارقوا الأهل والأوطان، وكابدوا المخاطر والمشاق دون كلل ولا ملل ولا تبرم.
* وقد تكون البيئة المترفة عائقًا بليغ الِإعاقة عن المضي في طريق المجد، ومع ذلك يترفع عليها صاحب الهمة العالية، ويسخرها لإنجاز المطالب الجسيمة، كحال الِإمام أبي محمد علي بن حزم رحمه الله، الذي نشأ [1] نقلًا من "رعاية النابغين" ص (160).