الكرامة، وفي الدماء شذرات من الجمر، فإذا دعا الداعي إلى العزة، وأذن بالحرية، وأيقظ الوجدان النائم، وحرَّك الشعور الهاجد: نبضت الكرامة في النفس، وبَصَّت [1] الجمرة في الرماد، وأفاقت في الإنسان إنسانيته، فأبى وجاهد، ورأى كل ما يلقى أهون من العبودية، وأحسن من هذه البهيمية.
كل ذل يصيب الإنسان من غيره، ويناله من ظاهره: قريب شفاؤه، ويسير إزالته، فإذا نبع الذل من النفس، وانبثق من القلب، فهو الداء الدوي، والموت الخفي.
ولذلك عمد الطغاة المستعبِدون إلى أن يُشْربوا الناسَ الذل، بالتعليم الذليل، والتأديب المهين، وتنشئة الناشئة عليه بوسائل شتى، ليُميتوا الهمة، ويُخمدوا الحمية، وإذا بيدهم العصا والزمام" [2].
وكان من تمام ما يلزمه هذا الترويض أن يضيقوا على دعاة الإسلام، ليستبد بالتوجيه التربوي والإذاعي والصحافي أدعياء العلم والشعر والحكمة الذين موهوا أمرهم بأسماء منظمات تبدو في ظاهرها مختلفة، وطفقوا يزينون للجيل الجديد، سليل المجاهدين، وشبل الأسود، أن يكون رقيقًا للشهوات والجنس والعيش الرغيد، وبدأوا يمحون تراث الأمة الذي نهضت به، ويطمسون قصص العلماء، حذرًا من أن تكون نبراسًا للجيل يستدل بها على طريق العمل ... فذلك قول شاعر الإسلام "إقبال" رحمه الله: [1] بَصَّ: برَقَ، ولمَعَ.
(2) "الشوارد" لعبد الوهاب عزام ص (318).