والفجور، مشغول بلقمة العيش، لا يجدها إلا بالكد والعسر والجهد، كي لا يفيق، بعد اللقمة والجنس، ليستمع إلى هدى، أو يفيء إلى دين" [1]، وصارت تلك سياستهم: "سياسة محاربة المساجد بالمراقص، ومحاربة الزوجات بالمومسات، ومحاربة العقائد بأساتذة حرية الفكر، ومحاربة فنون القوةَ بفنون اللذة" [2].
وهكذا تحول -بهذه التربية- ذلك الصقر الإسلامي إلى مثل طائر الحَجَل [3] في وداعته كما يقول "إقبال"، إنه الأدب "والترويض" الذي استعمله أئمة الضلال، أدبٌ:
يَسْلبُ السَّرْوَ [4] جميلَ الميل ... ويرد الصقر مثل الحَجَلِ
يسخر الركبان باللحن المبين ... ولقاع البحر يهوي بالسفين (5)
نَوَّمَتْ ألحانهُ يقظتنا ... أطفأت أنفاسُه وَقْدَتَنا (6)
وأُّشرِب الناس الذلَّ ...
"إن الإنسان بفطرته نَفور من الذل، آبٍ على الحيف، ولكن تحيط بالناس أحوال، وتتوالى عليهم حادثات، فيُراضون على الخضوع حينًا بعد حين، ويسكنون إلى الخنوع حالًا بعد حال، حتى يدربوا عليه، كما يُستأنس السبعُ، ويؤلف الوحش، ولكن يبقى في الناس ذرات من
(1) "السابق" (9/ 122).
(2) "وحي القلم" للرافعي (2/ 258). [3] الحَجَلُ: الذكَر من القَبَج، الواحدةُ حَجَلة، طائر في حجم الحمام يُصاد. [4] السرو: شجر معروف، واحدته سَرْوَة.
(5) السفين: جمع سفينة.
(6) الوَقْدَةُ: أشدُّ الحَرِّ، يُقال: طَبَخَتْهُمْ وَقْدَةُ الصيف.