قال: ما قلت هذا، بل قلت. إذا كان معه عشرةُ أسهم، وجب أن يرميكم بتسعة، وأن يرمي العاشر فيكم أيضًا، فإنكم غيرتم الملة، وقتلتم الصالحين، وادعيتم نور الإلهية فشهَرهُ ثم ضربه ثم أمير يهوديًّا فَسلخَه، وقال ابن الأكفاني: "سُلِخ، وحُشِي تِبْنًا، وصُلِب"، وقيل: (سُلِخ من مفرِقِ رأسه حتى بلغ الوجه، فكان يذكر الله، ويصبر حتى بلغ الصدر، فرحمه السَّلَّاخ، فوكزه بالسكين موضع قلبه، فقضى عليه، وقيل، "لما سُلِخ كان يسمع من جسده قراءة القرآن" [1].
الداعية الكبير الهمة (ينظر إلى غالبه من علٍ ما دام مؤمنًا، ويستيقين أنها فترة وتمضي، وأن للإيمان كرة لا مفر منها، وهبها كانت القاضية فإنه لا يحني لها رأسًا، إن الناس كلهم يموتون، أما هو فيستشهد .. ) [2].
وقال الشيخ العمرى الزاهد: (إن من غفلتك عن نفسك، وإعراضك عن الله، أن ترى ما يُسِخطُ الله فتتجاوزه، ولا تأمر فيه، ولا تنهى عنه، خوفًا ممن لا يملك لنفسه ضرًّا ولا نفعًا [3])، وحكى الذهبي في ترجمة الإمام محمد بن الحُبُلي قاضي برقة أنه (أتاه الأمير، فقال: "غدًا العيد"، قال: "حتى نرى الهلال، ولا أُفَطِّرُ الناسَ، وأتقلَّدُ إثمهم"، فقال: "بهذا جاء كتاب المنصور" -وكان هذا من رأي العبيدية، يُفَطِّرون بالحساب، ولا يعتبرون رؤية- فلم يُرَ هلال، فأصبح الأمير بالطول والبنود وأهْبَةَ العيد، فقال القاضي: "لا
(1) "سير أعلام النبلاء" (96/ 148).
(2) "معالم في الطريق" ص (168).
(3) "الجواب الكافي" ص (44).