وجلس، وقال للجلَّاد: "تقدم وأوْجِع، قطع الله يدكَ! "، ثم قام الثانية، فجعل يقول: "ويحك يا أحمد، أجبني"، فجعلوا يقبلون علي ويقولون: "يا أحمد، إمامك على رأسك قائم! " وجعل عبد الرحمن يقول: "مَن صنع من أصحابك في هذا الأمر ما تصنع؟ " وجعل المعتصم يقول: "ويحك، أجبني إلى شيء لك فيه أدنى فرج حتى أُطْلِقَ عنك بيدي"، فقلت: "يا أمير المؤمنين، أعطوني شيئًا من كتاب الله"، فيرجع، وقال للجلادين: "تقدموا"، فجعل الجلاد يتقدم ويضربني سوطين ويتنحى، وهو في خلال ذلك يقول: "شد، قطع الله يدك! " قال أبي: فذهب عقلي، فأفقت بعد ذلك فإذا الأقياد قد أطلقتْ عني، فقال لي رجل ممن حضر: "إنا كَببْناك على وجهك، وطرحنا على ظهرك بارية ودُسْناك! "، قال أبي: فما شعرت بذلك، وأتوني بسَوِيق فقالوا لي: "اشرب وتقيأ"، فقلت: "لا أفْطِر"، ثم جيء بي إلى دار إسحاق بن إبراهيم، فحضرت صلاة الظهر، فتقدم ابن سَمَاعة فصلَّى، فلما انفتل من الصلاة قال لي: "صليتَ والدم يسيل في ثوبك؟ "، فقلت: "قد صلى عمر وجرحه يَثْعَبُ دمًا".
قال صالح: ثم خُلي عنه فصار إلى منزله، وٍ كان مكثه في السجن، منذ أخذ وحمل إلى أن ضرب وخُلي عنه، ثمانية وعشرين شهرًا. ولقد أخبرني أحد الرجلين اللذين كانا معه، قال: يا ابن أخي، رحمة الله على أبي عبد الله، والله ما رأيت أحدًا يشبهه، ولقد جعلت أقول له في وقت ما يُوَجه إلينا بالطعام: "يا أبا عبد الله، أنت صائم، وأنت في موضع تَقِيَّةٍ" [1]، ولقد عطش فقال لصاحب الشراب: [1] علَّق العلامة أحمد شاكر رحمه الله هنا قائلًا: (التقية إنما تجوز للمستضعفين الذين=