مُخاطرتهمْ بأَنفُسِهِمْ في نُصْرَةِ الدِّينِ
إن الداعية الكبير الهمة يفاصل الباطل مفاصلة حاسمة، ويرفض الالتقاء به في منتصف الطريق، لسان حاله يقول: كان العيش المتصالح ممكنًا لي:
ولكنهم ركبوا مَسْلَكًا ... يَحيد عن الجَدَدِ المشرقِ
وقد ملك الأمرَ منهم رجالٌ ... يخالف منطقهُم منطقي
نأوا عن هدى الله في نهجهم ... وساروا، وسرت، فلم نلتقِ (1)
إنه على بصيرة من دينه، واثق من منهجه، موقن برسالته، ولو خالفه أهل الأرض قاطبة:
قال سليمان الداراني: "لو شك الناس كلهم في الحق، ما شككت فيه وحدي" إنه يفترض حينئذ أنه خلق وحده، وكُلِّف بالحق وحده، وأنه سيحاسب عليه وحده.
وعن حزم بن أبي حزم قال: قال عمر بن عبد العزيز في كلام له: "فلو كان كل بدعة يميتها الله على يدي، وكل سنة ينعشها الله على يدي ببضعة من لحمي حتى يأتي آخر ذلك على نفسي، كان في الله يسيرًا".
إنه يعلم أن طريق الدعوة (طويل وشاق، مملوء بالأشواك والصعاب، لا تتحمله إلا نفوس الرجال، ولا تقوم به إلا همم الصادقين الأبطال، ولا تقدر على مواصلة السير فيه النفوس المريضة المترهلة ممن أصابها وهن العزيمة ونضب وقود الإيمان فيها .. هذا الطريق هو طريق
(1) "المنطلق" ص (177).