فاكتمه بغاية جهدك، وإن ظهر عليك شيء منه قتلتك العامة لحينك، ولا أقدر على نفعك، ولا ينفعك أن تنقل ذلك عني، فإني أجحده، وقولي مُصَدَّق عليك، وقولُك غير مُصَدَّق عَلَيَّ، وأنا بريء من ذلك إن فُهْتَ بشيء من هذا"، فقلت: "يا سيدي أعوذ بالله من سريان الوهم لهذا"، وعاهدتُه بما يرضيه.
ثم أخذت في أسباب الرحلة وودَّعتُه، فدعا لي عند الوداع بخير، وزودني بخمسين دينار ذهبًا، وركبتُ البحر منصرفًا إلى بلدي مدينة "ميورقة"، فأقمت بها مع والدي ستة أشهر، ثم سافرت منها إلى جزيرة صقلية، وأقمت بها خمسة أشهر، وأنا أنتظر مركبًا يتوجه لأرض المسلمين.
فحضر مركب يسافر إلى مدينة "تونس"، فسافرت فيه من "صقلية"، وأقلعنا عنها قرب مغيب الشفق، فوردنا مرسى "تونس". قرب الزوال.
فلما نزلت بديوان "تونس"، وسمع بي الذين بها من أحبار النصارى، أتوا بمركب، وحملوني معهم إلى ديارهم، وصَحِبَتْهُم بعضُ
=عنه المكاسب، فأجر عليه من بيت مال المسلمين ما يصلحه، فلو أن رجلاً من المسلمين كان له مملوك كبرت سنه، وضعفت قوته، وولَّت عنه المكاسب، كان من الحق عليه أن يقوته، حتى يفرق بينهما موت أو عتق، وذلك أنه بلغني أن أمير المؤمنين عمر مَرَّ بشيخ من أهل الذمة يسأل على أبواب الناس، فقال: "ما أنصفناك إن كنا أخذنا منك الجزية في شيبتك، ثم ضيعناك في كبرك"، قال: ثم أجري عليه من بيت المال ما يصلحه) اهـ من "كتاب الأموال" للإمام أبيِ عبيد القاسم بن سلام، وأقوى رَدٍّ على هذا الخيال الفاسد هو ما حظى به تلميذه الترجمان لما آوى إلى المسلمين من الاحترام والتقدير والتكريم".