"يا سيدي إن العاقل لا يختار لنفسه إلَّا أفضل ما يعلم، فإذا علمتَ فضلَ دين الإسلام فما يمنعك منه؟ "، فقال لي: "يا ولدى إن الله تعالى لم يُطْلِعْني على حقيقة ما أخبرتُك به من فضل الإسلام، وشَرَفِ نبي أهل الإسلام إلَّا بعد كبر سني، ووهن جسمي، ولا عذر لنا فيه بل هو حجة الله علينا قائمة، ولو هداني الله لذلك وأنا في سنك لتركتُ كلَّ شيء، ودخلت في دين الحق، وحبُّ الدنيا رأسُ كُلِّ خطيئة، وأنت ترى ما أنا فيه عند النصارى من رفعة الجاه والعز والترف، وكثرة عَرَض الدنيا، ولو أني ظهر عَلَيَّ شيء من الميل إلى دين الإسلام لقتلتني العامة في أسرع وقت، وَهَبْ أني نجوتُ منهم، وخَلُصْتُ إلى المسلمين، فأقول لهم: إني جئتكم مسلمًا، فيقولون لي: قد نفعت نفسك بنفسك بالدخول في دين الحق، فلا تَمُنَّ علينا بدخولك في دين خلَّصْتَ به نفسك من عذاب الله، فأبقى بينهم شيخًا كبيرًا فقيرًا ابن تسعين سنة، لا أفقه لسانهم ولا يعرفون حقي فأموت بينهم جوعًا [1]، وأنا والحمد لله على دين عيسى وعلى ما جاء به، يعلم الله ذلك مني"، فقلت له: "يا سيدي أفتدلني أن أمشي إلى بلاد المسلمين وأدخل في دينهم؟ "، فقال لي: "إن كنت عاقلا طالبًا للنجاة فبادر إلى ذلك تحصل لك الدنيا والآخرة، ولكن يا ولدي هذا أمر لم يحضره أحد معنا الآن، [1] هذا خيال فاسد، وسوء ظن بخير أمة أخرجت للناس، وجهل بسماحة الإسلام، ونظامه الاجتماعي الرائع المبني على التكافل والرحمة والإحسان إلى الخلق، وحفظ حقوقهم، ورعاية قدرهم، هذا إذا كانوا باقين على دينهم، فكيف بمن انضم إليهم مسلمًا لله عز وجل، شاهدًا شهادة الحق؟، وتأمل ما حكاه أبو عبيد عن عمر بن عبد العزيز رحمه الله وهو يكتب إلى عدي بن أرطاة بالبصرة قائلًا له:
( .. وانظر مَن قِبَلَكَ مِن أهل الذمة قَد كبر سنه، وضعفتَ قوته، وولت=