responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : قصص من التاريخ المؤلف : الطنطاوي، علي    الجزء : 1  صفحة : 97
قال: نعم، والله إنها لهي داره! هذه دار الرجل الذي أورثته شريعة القرآن تيجان الملوك الأربعة: كسرى وقيصر وفرعون وخاقان، فكانت هامته أرفع من أن يبلغها تاج منها، فما سمت إليها إلا «العمامة» تاج العرب ... هذه دار الرجل الذي جبيت إليه ثمرات الأرض، فكال الذهب كيلاً وأعطاه لمستحقه باليدين، ومنح الفقراء الجوهر، وقسم في المحتاجين الدرر، وبقي هو وأسرته بغير شيء ... لأن نفسه أكبر من أن يملأها كل ما في الدنيا من ذهب وجوهر، إنها أكبر من الدنيا؛ فلذلك حقرتها وطمحت إلى ما هو أعظم منها: إلى الجنة!
وما هجر الحياة ومناعمها ليأوي إلى غار في جبل فيعتزل الناس، أو إلى مسجد فيناجي الله، إذن لزاد العبّاد واحداً، ولما كان في ذلك حديث يُروى ولا عجب يُؤثَر. ولكنه زهد في الدنيا (وهو رجل الدنيا وواحدها، وإليه أمرها وبيده - بعد القدر - صلاحها وفسادها)، فهو في اللجة لا يبتلّ، وهو «في اللهب ولا يحترق». وهو زاهد ولكنّ في رأسه عقلَ حكيمٍ، وفي صدره قلبَ بطلٍ، وفي فيه لسانَ أديبٍ؛ فهو يدير بعقله هذا الملك الواسع، بقضائه وماليته، وداخليته وخارجيته، وسلمه وحربه، وهو القائد وهو المفتي وهو المعلّم ... أداره أحسن إدارة وأقومها، فاستقر الأمن، ونامت الثورات، وقعد القائمون بالمعارضة، وسكت الناقمون على بني أمية، وتصافى الشيعي والخارجي، والمصري واليماني، والأسود والأحمر [1]، واصطحب في البرية

[1] كناية عن العرب والعجم (كما كانت تقول العرب).
اسم الکتاب : قصص من التاريخ المؤلف : الطنطاوي، علي    الجزء : 1  صفحة : 97
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست