responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : قصص من التاريخ المؤلف : الطنطاوي، علي    الجزء : 1  صفحة : 181
المتقون، لها من العظمة والجلال ما تتضاءل أمامه عظمة «المدائن» التي كان يتحدث بها العجائز من قومه، وتُخيّل له من جلال الخليفة وضخامة سلطانه ما يصغر معه ملك كسرى ويهون ... ولِمَ لا؟ وملك كسرى كله عمالة من عمالات الخليفة وولاية من ولاياته!
كان المعلم الشاب يكد ذهنه ليتصور دمشق ويتبين طريقه إلى النجاح فيها، وكان يحسب - لطول ما عزم على السفر وتردد فيه، ولعظم ما لاقى من الأهوال والمشاق - أنه ليس بينه وبين المجد والولاية إلا أن يهبط دمشق، فإذا هو والٍ أو أمير!
وكانت القافلة قد علت نشزاً من الأرض فانكشفت أمامها دمشق العظيمة؛ أقدم بلدان الأرض وأجملها، وهي في مثل حلة العروس، يضحك في أعطافها الجمال، تميس بثوب العرس الأبيض الشفاف الذي نسجته أكف الربيع من زهر المشمش الهفهاف، تموج في خديها دماء الشباب ظاهرة في زهر الدراق الأحمر الفاتن، وعبق أزهارها يعطر الجو كله، الأرض والسماء والجبال والصحارى المجاورة ... فأُخذ كليب بها أخذاً، ورقص لها قلبه، وفتن بها فتوناً. ومن ذا الذي يرى غوطة دمشق (وهي في ثوب الربيع) ثم لا يرقص لها قلبه ولا يفتن بها فتوناً؟ ومن ذا الذي يقطع عرض الفلاة، حيث يعتدّ ظل الصخرة القائمة جنة حادرة، ويرى الحشيشة الخضراء روضة الدنيا، ويرى البئر الآسنة مورداً صافياً، ثم يطل على الغوطة، جنة الأرض حقاً وروضة الدنيا، بأشجارها المزهرة المتعانقة وأدواجها الباسقة، وعيونها الدافقة وأنهارها الرائقة، ووردها وزهرها، وطيبها وعطرها، وفتونها

اسم الکتاب : قصص من التاريخ المؤلف : الطنطاوي، علي    الجزء : 1  صفحة : 181
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست