اسم الکتاب : فصل الخطاب في الزهد والرقائق والآداب المؤلف : محمد نصر الدين محمد عويضة الجزء : 1 صفحة : 64
ما أعظم يا عمر وأفظع الذي سبق إليك من أمر هذه الأمة، فأهل العراق فليكونوا من صدرك بمنزلة من لا فقر بك إليه، ولا غنى بك عنه، فإنهم قد وليتهم عمال ظلمة قسموا المال وسفكوا الدماء، فإنه من تبعث من عمالك كلهم أن يأخذوا بجبية، وأن يعملوا بعصبية، وأن يتجبروا في عملهم، وأن يحتكروا على المسلمين بيعاً، وأن يسفكوا دماً حراماً. الله الله يا عمر في ذلك، فإنك توشك إن اجترأت على ذلك أن يؤتى بك ضغيراً ذليلاً، وإن أنت اتقتيت ما أمرتك به وجدت راحته على ظهرك وسمعك وبصرك، ثم أنك كتبت إلى تسأل أن أبعث إليك بكتاب عمر بن الخطاب وسيرته وقضائه في المسلمين وأهل العهد، وأن عمر عمل في غير زمانك، وإني أرجو إن عملت بمثل ما عمل أن تكون عند الله أفضل منزلة من عمر، وقل كما قال العبد الصالح: (وَمَآ أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَىَ مَآ أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلاّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِيَ إِلاّ بِاللّهِ عَلَيْهِ تَوَكّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ) [هود: 88]. والسلام عليك.
[*] أخرج الحافظ أبو نعيم ٍ في حلية الأولياء عن عمر بن محمد المكي، قال: خطب عمر بن عبد العزيز فقال: إن الدنيا ليست بدار قراركم، دار كتب الله عليها الفناء، وكتب على أهلها منها الظعن، فكم عامر موثق عما قليل مخرب، وكم مقيم مغتبط عما قليل يظعن، فأحسنوا رحمكم الله منها الرحلة بأحسن ما يحضركم من النقلة، وتزودوا فإن خير الزاد التقوى، إنما الدنيا كفيء ظلال قلص فذهب. بينا ابن آدم في الدنيا ينافس فيها وبها قرير العين إذ دعاه الله بقدره، ورماه بيوم حتفه، فسلبه آثاره ودنياه، وصير لقوم آخرين مصانعه ومغناه، إن الدنيا لا تسر بقدر ما تضر، إنها تسر قليلاً، وتجر حزناً طويلاً.
[*] أخرج الحافظ أبو نعيم ٍ في حلية الأولياء عن يعقوب بن عبد الرحمن، عن أبيه قال: خطب عمر بن عبد العزيز هذه الخطبة، وكان آخر خطبة خطبها، حمد الله وأثنى عليه ثم قال: إنكم لم تخلقوا عبثاً، ولم تتركوا سدى، وإن لكم معاداً ينزل الله فيه ليحكم بينكم ويفصل بينكم، وخاب وخسر من خرج من رحمة الله وحرم جنة عرضها السموات والأرض، ألم تعلموا أنه لا يأمن غداً إلا من حذر الله اليوم وخافه وباع نافداً بباق، وقليلاً بكثير، وخوفاً بأمان؟ ألا ترون أنكم في أسلاب الهالكين، وستصير من بعدكم للباقين، وكذلك حتى تردوا إلى خير الوارثين.
اسم الکتاب : فصل الخطاب في الزهد والرقائق والآداب المؤلف : محمد نصر الدين محمد عويضة الجزء : 1 صفحة : 64