فحيث كانت مفسدة الأمر والنهي أعظم من مصلحته لم تكن مما أمر الله به، وإن كان قد ترك واجب، وفعل محرم؛ إذ المؤمن عليه أن يتقي الله في عباده، وليس عليه هداهم، وهذا معنى قول ربنا -سبحانه-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} (المائدة: 105)، والاهتداء إنما يتم بأداء الواجب، فإذا قام المسلم بما يجب عليه من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كما قام بغيره من الواجبات لم يضره ضلال الضلال.
وذلك يكون تارة بالقلب، وتارة باللسان، وتارة باليد، فأما القلب فيجب بكل حال؛ إذ لا ضرر في فعله، ومن لم يفعله فليس هو بمؤمن، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((وذلك أضعف الإيمان)). وقال: ((ليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل)).
وقيل لابن مسعود: "من ميت الأحياء؟ فقال: الذي لا يعرف معروفًا، ولا ينكر منكرًا". وهذا هو المفتون الموصوف في حديث حذيفة بن اليمان، وهنا يغلط فريقان من الناس، فريق يترك ما يجب من الأمر والنهي تأويلًا لهذه الآية، كما قال أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- في خطبته: "إنكم تقرءون هذه الآية {عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} (المائدة: 105). وإنكم تضعونها في غير موضعها، وإني سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه أوشك أن يعمهم الله بعقاب منه)) ".
والفريق الثاني من يريد أن يأمر وينهى، إما بلسانه، وإما بيده مطلقًا من غير فقه، وحلم، وصبر، ونظر فيما يصلح من ذلك، وما لا يصلح، وما يقدر عليه وما لا يقدر، كما في حديث أبي ثعلبة الخشني قال: سألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن