فالدرجتان الأوليان مشروعتان، والثالثة موضع اجتهاد، والرابعة محرمة. فإذا رأيت أهل الفجور والفسوق يلعبون بالشطرنج كان إنكارك عليهم من عدم الفقه والبصيرة، إلا إذا نقلتهم منه إلى ما هو أحب إلى الله ورسوله، كسباق الخيل، ونحو ذلك.
وإذا رأيت الفساق قد اجتمعوا على لهو ولعب، أو سماع مكاء وتصدية، فإن نقلتهم عنه إلى طاعة الله فهو المراد، وإلا كان تركهم على ذلك خيرًا من أن تفرغهم لما هو أعظم من ذلك، فكان ما هم فيه شاغلا لهم عن ذلك. وكما إذا كان الرجل مشتغلًا بكتب المجون ونحوها، وخفت من نقله عنها انتقاله إلى كتب البدع والضلال والسحر، فدعه وكتبه الأولى، وهذا باب واسع.
قال -رحمه الله-: "وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية -قدس الله روحه ونور ضريحه- يقول: مررت أنا وبعض أصحابي في زمن التتار بقوم منهم يشربون الخمر، فأنكر عليهم من كان معي، فأنكرت عليه، وقلت له: إنما حرم الله الخمر؛ لأنها تصد عن ذكر الله وعن الصلاة، وهؤلاء يصدهم الخمر عن قتل النفوس، وسبي الذرية، وأخذ الأموال فدعهم".
أما شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- فقد قرر هذه القاعدة في أكثر من موضع، فقال -رحمه الله- في باب الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر: "إذا كان الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر من أعظم الواجبات، والمستحبات، فالواجبات والمستحبات لا بد أن تكون المصلحة فيها راجحة على المفسدة؛ إذ بهذا يعثت الرسل، ونزلت الكتب، والله لا يحب الفساد، بل كل ما أمر الله به فهو صلاح، وقد أثنى الله تعالى على الصلاح والمصلحين: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} (العنكبوت: 7)، وذم المفسدين في غير موضع.