الإسلامية، وحيث إن من صفات الشريعة الشمول بمعنى: أن لها حكما في كل شيء بلا استثناء، فإن موضوع الحسبة يصير واسعًا جدًّا بحيث يشمل جميع تصرفات وأفعال الإنسان، ولا يخرج من ذلك إلا ما لا تتوافر فيه شروط الاحتساب، ولا يدخل في ولاية المحتسب.
وقد أشار الفقهاء إلى هذه السعة، فالفقيه ابن الإخوة يقول: والمحتسب من نصبه الإمام، أو نائبه للنظر في أحوال الرعية، والكشف عن أمورهم، ومصالحهم، وابتياعاتهم، ومأكولاتهم، ومشروبهم، وملبوسهم، ومساكنهم، وطرقهم، وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر".
ويقول ابن خلدون وهو يتكلم عن المحتسب، ويبحث عن المنكرات، ويعزر ويؤدب على قدرها، ويحمل الناس على المصالح العامة في المدينة مثل: المنع من المضايقات في الطرقات، ومنع الحمالين وأهل السفن من الإكثار في الحمل، والحكم على أهل المباني المتعينة في للسقوط بهدمها، وإزالة ما يتوقع من ضررها على السابلة ... إلى آخره".
ثم أجمل القول، وضرب الأمثلة على اتساع موضوع الحسبة، فقال:
أولًا: الحسبة في الاعتقادات: تجري الحسبة في أمور العقيدة، فمن أظهر عقيدة باطلة، أو أظهر ما يناقض العقيدة الإسلامية الصحيحة، أو دعا الناس إليها، أو حرف النصوص، أو ابتدع في الدين بدعة لا أصل لها منع من ذلك، وجرت الحسبة عليه؛ لأن التقول على الله ودينه بالباطل لا يجوز، ويناقض العقيدة الإسلامية التي من أصولها: الانقياد، والخضوع لله رب العالمين، ولشرعه -عز وجل- قال الله تبارك وتعالى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} (الأعراف: 33).