وزاد في اضطراب العملة الفارسية المستخدمة في الولايات الشرقية بالعراق، وفارس، وخراسان، سوء وزن الفضة فيها، وكثرة المغشوش منها، وأشار إلى ذلك الماوردي في قوله: وقد كان الفرس عند فساد أمورهم فسدت نقودهم، فجاء الإسلام ونقودهم من العين والورِق -أي: الفضة غير خالصة- إلا أنها كانت تقوم في المعاملات مقام الخالصة، وأدت هذه الظاهرة بدورها إلى سوء جباية الخراج، وقلة مقاديره الحقيقية، لما ورد على ديوان الخراج من عملات زائفة، أو غير جيدة الضرب، وصار الموقف يتطلب سرعة إصدار نقد جديد يقضي على تلك المفاسد، ويزيل آثارها السيئة.
وكانت ولايات الدولة -وبخاصة في مصر والشام- تعاني متاعب من نوع آخر، نتيجة احتكار الروم -البيزنطيين- للدينار، وتحكمها في سعره، وسرعان ما انفجرت أزمة بين الدولة الأموية وإمبراطورية الروم، عجلت بالسلطات الأموية نحو وضع نقد جديد لولاياتهم، وذلك على عهد الخليفة عبد الملك بن مروان نفسه، ذلك أن مصر كانت تصدر القراطيس -وهي: ورق الكتابة إذ ذاك- لامبراطورية الروم، منذ تبعيتها لها قبل الفتح الإسلامي، وجرت عادت أقباط مصر على كتابة اسم السيد المسيح، وعبارة التثليث في رءوس الطوامير -وهي قطع الورق الكبيرة.
ولكن الخليفة عبد الملك رأى أن هذه الصيغة لا تتفق ومظهر الدولة الإسلامية الجديدة؛ فأمر أن يُستبدل بهذه الصيغة عبارة: {قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ} (الصمد: 1) ووصلت هذه القراطيس الجديدة إلى امبراطورية الروم، وأحدثت ضجة كبرى في البلاط، إذ غضِب الإمبراطور "جستنيان الثاني" واستكبر قيام الدولة الإسلامية بممارسة حق من حقوقها في السيادة، وكتب إلى الخليفة عبد الملك: