اسم الکتاب : السيرة النبوية عرض وقائع وتحليل أحداث المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 853
حتى إنهم صاموا ما بقي عليهم من شهر ومكثوا في المدينة خمسة عشر يوما ثم رجعوا إلى الطائف [1] وبعد رجوعهم جهز رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية بقيادة خالد بن الوليد - رضي الله عنه - ومشاركة المغيرة بن شعبة [2] - رضي الله عنه - وأبي سفيان بن حرب - رضي الله عنه - [3] وبعثهم في أثر الوفد [4].
وبينما نجحت مساعي الوفد في إقناع ثقيف بالدخول في الإسلام وأخبروهم بمصير اللات، وإذا بالسرية قد وصلت إلى الطائف ودخل المغيرة بن شعبة في بضعة عشر رجلا يهدمون الربة [5] وكان ذلك تحت حراسة مشددة من قومه بني معتب الذين قاموا دونه خشية أن يرمى أو يصاب كما أصيب عروة بن مسعود [6] , وخرجت ثقيف عن بكرة أبيها رجالها ونساؤها وصبيانها حتى الأبكار من خدورهن، وكانوا -لقرب عهدهم بالشرك- لا ترى عامة ثقيف أنها مهدومة ويظنون أنها ممتنعة [7].
وكان المغيرة رجلاً فيه دعابة وظرف فقال لأصحابه: والله لأضحكنكم من ثقيف، فضرب بالفأس ثم سقط يركض، فارتج أهل الطائف بصيحة واحدة وقالوا: أبعد الله المغيرة فقد قتلته الربة، وفرحوا حين رأوه ساقطًا [8] وقالوا مخاطبين أفراد السرية: من شاء منكم فليقترب وليجتهد على هدمها, فوالله لا تستطيع أبدًا، فوثب المغيرة بن شعبة، وقال: قبحكم الله يا معشر ثقيف! إنما هي لكاع [9] حجارة ومدر، فاقبلوا عافية الله واعبدوه [10].
أكمل المغيرة بن شعبة - رضي الله عنه - ومن معه هدم الطاغية حتى سووها بالأرض، وكان سادنها واقفا على أحر من الجمر ينتظر نقمة الربة وغضبها على هؤلاء العصاة [11]، فما إن وصلوا إلى أساسها حتى صاح قائلا: سترون إذا انتهى أساسها يغضب الأساس غضبًا يخسف بهم [12] , فلما سمع المغيرة - رضي الله عنه - بذلك السخف قال لقائد السرية: دعني أحفر أساسها, فحفره حتى أخرجوا ترابها وانتزعوا حليتها، وأخذوا ثيابها، فبهتت ثقيف [13] وأدركت الواقع الذي كانت تحجبه غشاوة على أعينهم [14].
وأقبل الوفد حتى دخلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم بحليتها وكسوتها, فقسمه رسول الله صلى الله عليه وسلم من يومه، وحمدوا الله على نصرة نبيه وإعزازه دينه [15]. [1] انظر: السيرة النبوية لابن هشام (2/ 519، 520). [2] انظر: السيرة النبوية لابن هشام (4/ 195). [3] المصدر نفسه، (4/ 195). [4] انظر: دلائل النبوة للبيهقي (5/ 303، 304). [5] المغازي (3/ 671). [6] انظر: دلائل النبوة (5/ 304). [7] انظر: السرايا والبعوث، ص300. [8] المصدر نفسه، ص300. [9] لكاع عند العرب: العبد, ثم استعمل في الحمق والذم. [10] انظر: دلائل النبوة (5/ 303). [11] انظر: السرايا والبعوث، ص300. [12] انظر: المغازي (3/ 972). [13] انظر: دلائل النبوة (5/ 303). [14] انظر: السرايا والبعوث، ص301. [15] انظر: تاريخ ابن شيبة (2/ 507) نقلا عن السرايا والبعوث، ص301.
اسم الکتاب : السيرة النبوية عرض وقائع وتحليل أحداث المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 853