responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : السيرة النبوية عرض وقائع وتحليل أحداث المؤلف : الصلابي، علي محمد    الجزء : 1  صفحة : 757
[2] - وفي قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمه العباس عن أبي سفيان: «احبسه بمضيق الوادي، حتى تمر به جنود الله فيراها» [1] ففعل العباس, وكان صلى الله عليه وسلم يريد أن يشن حربًا نفسية للتأثير على معنويات قريش حتى يتسنى له القضاء على روح المقاومة عند زعيم مكة، وحتى يرى أبو سفيان بعيني رأسه مدى قوة ما وصل إليه الجيش الإسلامي من تسليح وتنظيم وحسن طاعة وانضباط؛ وبذلك تتحطم أي فكرة في نفوس المكيين يمكن أن تحملهم على مقاومة هذا الجيش المبارك إذا دخل مكة لتحريرها من براثن الشرك والوثنية [2] , وبالفعل تم ما رسمه رسول الله صلى الله عليه وسلم, وأدرك أبو سفيان قوة المسلمين، وأنه لا قبل لقريش بهم, حتى إذا مرت به كتيبة المهاجرين والأنصار قال أبو سفيان: سبحان الله! يا عباس, من هؤلاء؟ قال: قلت: هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم في المهاجرين والأنصار، قال: ما لأحد بهؤلاء قِبَل ولا طاقة والله يا أبا الفضل، لقد أصبح ملك ابن أخيك الغداة عظيما، قال: قلت: يا أبا سفيان، إنها النبوة، قال: نعم إذاً .... [3].
«إنها النبوة»؛ تلك هي الكلمة التي أدارتها الحكمة الإلهية على لسان العباس، حتى تصبح الرد الباقي إلى يوم القيامة على كل من يتوهم أو يوهم أن دعوة النبي صلى الله عليه وسلم إنما كانت ابتغاء ملك أو زعامة، أو إحياء قومية أو عصبية, وهي كلمة جاءت عنوانًا لحياة رسول الله صلى الله عليه وسلم من أولها إلى آخرها، فقد كانت ساعات عمره ومراحلها كلها دليلاً ناطقا على أنه بعث لتبليغ رسالة الله إلى الناس، لا لإشادة ملك لنفسه في الأرض [4].
لقد تعمد النبي صلى الله عليه وسلم شن الحرب النفسية على أعدائه أثناء سيره لفتح مكة, حيث أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بإيقاد النيران فأوقدوا عشرة آلاف نار في ليلة واحدة حتى ملأت الأفق, فكان لمعسكرهم منظر مهيب كادت تنخلع قلوب القريشيين من شدة هوله [5] , وقد قصد النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك تحطيم نفسيات أعدائه والقضاء على معنوياتهم حتى لا يفكروا في أية مقاومة، وإجبارهم على الاستسلام لكي يتم له تحقيق هدفه دون إراقة دماء، وبتطبيق هذا الأسلوب تم له صلى الله عليه وسلم ما أراد، ولقد كان اهتمام النبي صلى الله عليه وسلم بمعنويات المقاتل ونفسيته سبقًا عسكريًّا؛ بدليل أن المدارس العسكرية التي جاءت فيما بعد جعلت هذا الأمر موضع العناية والاهتمام من الناحية العسكرية [6].
* * *

[1] انظر: سيرة ابن هشام (4/ 52).
[2] انظر: القيادة العسكرية في عهد الرسول، ص447.
[3] انظر: السيرة النبوية لابن هشام (4/ 52).
[4] انظر: فقه السيرة النبوية للبوطي، ص275.
[5] انظر: الطبقات لابن سعد (2/ 135).
[6] انظر: العبقرية العسكرية وغزوات الرسول، اللواء محمد فرج، ص565.
اسم الکتاب : السيرة النبوية عرض وقائع وتحليل أحداث المؤلف : الصلابي، علي محمد    الجزء : 1  صفحة : 757
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست