اسم الکتاب : السيرة النبوية عرض وقائع وتحليل أحداث المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 756
«ويحك يا أبا سفيان، ألم يأن لك أن تعلم أني رسول الله؟» قال: بأبي أنت وأمي ما أحلمك وأكرمك وأوصلك! أما هذه والله فإن في النفس منها حتى الآن شيئًا، فقال له العباس: ويحك أسلم قبل أن نضرب عنقك، قال: فشهد شهادة الحق فأسلم. قال العباس: قلت: يا رسول الله، إن أبا سفيان رجل يحب الفخر فاجعل له شيئًا, قال: «نعم، من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن أغلق بابه فهو آمن، ومن دخل المسجد فهو آمن» فلما ذهب لينصرف قال رسول الله: «يا عباس, احبسه بمضيق الوادي عند خطم الجبل، حتى تمر به جنود الله فيراها» قال: فخرجت حتى حبسته حيث أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم ومرت القبائل على راياتها، كلما مرت قبيلة قال: يا عباس من هذه؟ فأقول: سليم, فيقول: ما لي ولسليم، ثم تمر به القبيلة فيقول: يا عباس من هؤلاء؟ فأقول: مزينة, فيقول: ما لي ولمزينة ..
حتى مر به رسول الله صلى الله عليه وسلم في كتيبته الخضراء، فيها المهاجرون والأنصار، لا يرى منهم إلا الحدق من الحديد، قال: سبحان الله يا عباس، من هؤلاء؟ قال: قلت: هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم في المهاجرين والأنصار، قال: ما لأحد بهؤلاء قبل ولا طاقة، ثم قال: والله يا أبا الفضل لقد أصبح ملك ابن أخيك
اليوم عظيمًا. قال: قلت: يا أبا سفيان: إنها النبوة، قال: فنعم إذن، قال: قلت: النجاء
إلى قومك [1].
إن في هذه القصة دروسا وعبرا وحكما في كيفية معاملة رسول الله صلى الله عليه وسلم للنفوس البشرية ومن أهم هذه الدروس:
1 - عندما أصبح أبو سفيان رهينة بيد المسلمين، وأصبح رهن إشارة النبي صلى الله عليه وسلم، وهمَّ به عمر، وأجاره العباس، ثم جاء في صبيحة اليوم الثاني ليمثل بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت المفاجأة الصاعقة له بدل التوبيخ والتهديد والإذلال أن يدعى إلى الإسلام، فتأثر بهذا الموقف واهتز كيانه؛ فلم يملك إلا أن يقول: بأبي أنت وأمي يا محمد، ما أحلمك وأكرمك وأوصلك! إنه يفدي رسول الله صلى الله عليه وسلم بأبيه وأمه، ويثني عليه الخير كله: ما أحلمك وأكرمك وأوصلك! [2] وعندما قال العباس للنبي صلى الله عليه وسلم: إن أبا سفيان رجل يحب الفخر فاجعل له شيئًا قال النبي صلى الله عليه وسلم: «نعم، من دخل دار أبي سفيان فهو آمن» ففي تخصيص بيت أبي سفيان شيئًا يشبع ما تتطلع إليه نفس أبي سفيان، وفي هذا تثبيت له على الإسلام وتقوية لإيمانه [3] وكان هذا الأسلوب النبوي الكريم عاملا على امتصاص الحقد من قلب أبي سفيان, وبرهن له بأن المكانة التي كانت له عند قريش، لن تنتقص شيئا في الإسلام، إن هو أخلص له وبذل في سبيله [4] وهذا منهج نبوي كريم على العلماء والدعاة إلى الله أن يستوعبوه ويعملوا به في تعاملهم مع الناس. [1] انظر: صحيح السيرة النبوية، ص518 - 520. [2] انظر: فقه السيرة النبوية للغضبان، ص564. [3] انظر: المستفاد من قصص القرآن (2/ 403). [4] انظر: قراءة سياسية للسيرة النبوية، محمد رواس، ص245.
اسم الکتاب : السيرة النبوية عرض وقائع وتحليل أحداث المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 756