اسم الکتاب : السيرة النبوية عرض وقائع وتحليل أحداث المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 604
* أن يكون الهدف الإستراتيجي للقيادة المسلمة تحييد من تستطيع تحييده, ولا تنسى القيادة الفتوى والشورى والمصلحة الآنية والمستقبلية للإسلام [1].
وفي استشارة رسول الله صلى الله عليه وسلم للصحابة يبين لنا أسلوبه في القيادة, وحرصه على فرض الشورى في كل أمر عسكري يتصل بالجماعة، فالأمر شورى ولا ينفرد به فرد حتى ولو كان هذا الفرد رسول الله صلى الله عليه وسلم, ما دام الأمر في دائرة الاجتهاد ولم ينزل به وحي [2]. إن قبول الرسول صلى الله عليه وسلم رأي الصحابة في رفض هذا الصلح يدل على أن القائد الناجح هو الذي يربط بينه وبين جنده رباط الثقة، حيث يعرف قدرهم ويدركون قدره، ويحترم رأيهم ويحترمون رأيه، ومصالحة النبي صلى الله عليه وسلم مع قائدي غطفان تعد من باب السياسة الشرعية التي تراعي فيها المصالح والمفاسد حسب ما تراه القيادة الرشيدة للأمة [3].
إن موقف الصحابة من هذا الصلح يحمل في طياته ثلاثة معانٍ:
أ- أنه يؤكد شجاعة المسلمين الأدبية في إبداء الرأي، والمشورة في أي أمر يخص الجماعة، إذا دعت الحاجة إلى ذلك.
ب- أنه يكشف عن جوهر المسلمين وعن حقيقة اتصالهم بالله ورسوله وبالإسلام.
ج- أنه يبين ما تمتلئ به الروح المعنوية لدى المسلمين من قدرة على مواجهة المواقف الحرجة بالصبر, والرغبة القوية في قهر العدو, مهما كثر عدده وعتاده أو تعدد حلفاؤه [4].
2 - اهتمام الرسول صلى الله عليه وسلم ببث الخذلان في صفوف الأعداء:
استخدام النبي صلى الله عليه وسلم سلاح التشكيك والدعاية لتمزيق ما بين الأحزاب من ثقة وتضامن، فلقد كان يعلم صلى الله عليه وسلم أن هناك تصدعًا خفيًا بين صفوف الأحزاب, فاجتهد أن يبرزه ويوسع شقته ويستغله في جانبه، فقد سبق أن أطمع غطفان ففكك عزمها، والآن ساق المولى عز وجل نعيم بن مسعود الغطفاني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليعلن إسلامه، وقال له: يا رسول الله, إن قومي لم يعلموا بإسلامي فمرني بما شئت، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنما أنت فينا رجل واحد فخذل عنا إن استطعت فإن الحرب خدعة» [5].
فقام نعيم بزرع الشك بين الأطراف المتحالفة بأمر من رسول الله صلى الله عليه وسلم, فأغرى اليهود بطلب [1] انظر: الأساس في السنة (2/ 687). [2] انظر: العبقرية العسكرية في غزوات الرسول، ص414. [3] انظر: القيادة العسكرية في عهد الرسول، ص414. [4] المصدر نفسه، ص 415، 416. [5] انظر: البداية والنهاية (4/ 113).
اسم الکتاب : السيرة النبوية عرض وقائع وتحليل أحداث المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 604