وأطلق الله تعالى هذا اللفظ على الأميين من أهل الكتاب:
{ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب} [1].
والحاصل أن لفظ ((الأمي)) يدل على أن النبي (ص) كان أرفع من طريقة أهل الدنيا في التعلم.
وقد أبان الله تعالى عن هذا المعنى في موضع آخر فقال:
{وما كنت تتلوا من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك إذا لارتاب المبطلون} [2].
وبملاحظة المعنى السابق ندرك أن اسم النبي (ص) الأمي معجزة كبيرة.
وليعلم أن النبي من النبأ، وهو يطلق على الواقعة العظيمة والإعلام بأمر هام. أي النبي هو من يخبر أهل العالم بالعلوم العالية والوقائع العظيمة. وحينما يضاف هذا اللفظ إلى الله فهو يعني أن النبي يتلقى من الله مباشرة العلوم العالية والشرائع السامية والنواميس الربانية.
وقيل إن النبي مشتق من النباوة أي المكان المرتفع، فالنبي (ص) احتل مكانة عالية لا يصل إليها إنسان بالكسب والاجتهاد والرياضة، بل سبب وصوله إليها هو الاصطفاء الرباني المحض.
ووصفه بالنبي (ص) الأمي دل على أنه بعيد عن معرفة الحرف والكتابة، ومع ذلك صدرت مته باستمرار العلوم العظيمة والآيات الكاملة.
ويعلم أهل السيرة أن النبي (ص) كان يلقب ويدعى بالنبي (ص) الأمي، وكان يفرح بذلك، ولننظر إلى حال أهل زماننا، إن أحدا منهم إذا علم وفهم قليلا أحب أن يلقب بالفاضل والأكمل واللوذعي والألمعي والعلامة وغير ذلك من الألقاب. وقد صار ذلك خاصة كل كاتب وخطيب، فإنه يريد أن يقدر علمه وفضله بأكثر مما هو عليه. ولكن سيدنا محمد (ص) كان يعترف دائما بأميته، ومع ذلك كان يأتي إليه ألوف من العلماء ومئات الحكماء ليتتلمذوا عليه (ص)، وكانوا يصرحون بأنه (ص) بحر في علمه وفهمه، وليس علمهم بجانب علمه إلا قطرة من هذا البحر. [1] سورة البقرة: 78. [2] سورة العنكبوت: 48.